Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 32-32)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

النُّزُل هو المكان الذي أُعِدَّ للضيف ينزل فيه ، ولا بُدَّ أنْ يعد هذا المكان بحيث يجد فيه الضيفَ كل ما يريد ، فهو موطن الكرم ، لذلك نسمي الفندق نُزُل ، نعم نُزُل أعدَّه البشر للبشر ، لكن الجنةَ نُزُل أعدَّه ربُّ البشر وخالقهم ، أعدَّه لهم الغفور الرحيم بهم . لذلك قلنا : إننا لما ذهبنا إلى سان فرانسيسكو وجدنا هناك فنادق على درجة عالية من الرقي وجودة الخدمة ، ورأيت الإعجاب بها في أعين زملائي فأردتُ أنْ ألفتهم لفتةً إيمانية ، فقلت لهم : تعجبون مما ترونه ، انظروا إليه نظرةَ تأمل ، فهذا ما أعدَّه البشر للبشر ، فكيف بما أعدَّه الله ربُّ البشر للبشر ؟ وبهذه النظرة يُخرج المرء نفسه من دائرة الحقد أو الحسد أو الاعتراض ، فكلُّ نعيم تراه ، وكل جمال تقع عليه عينك ينبغي أنْ يُذكِّرك بنعيم الآخرة . كثيراً عندما نرى مثلاً عمارة عالية أو فيلا جميلة نقول : من أين كل هذه الأموال ؟ ويساورنا شيء من الحقد على صاحبها ، أو نحسده على فضل الله الذي اختصَّه به ، لكن لو نظرنا إلى الموضوع من ناحية أخرى لوجدنا أن الله تعالى سخَّر هذا الرجل وسخَّر ماله لخدمة المجتمع كله ، فقد أتعب نفسه في جمع هذه الأموال ثم أخرجها ليوزعها على العمال والصُّناع وأصحاب الحرف من طوائف المجتمع المختلفة . فهو - إذن - يُسهم في بناء المجتمع ، ويُسهم في حركته لذلك علَّمنا ربنا تبارك وتعالى حين نرى شيئاً يعجبنا أن نقول : { مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [ الكهف : 39 ] . يعني : هذا عطاء الله وفضله ، يعطيه مَنْ يشاء من عباده ، وحين تُسَرُّ بالنعمة عند غيرك ، وتحبها له تحبك النعمة ، لأن النعمة أعشقُ للمنعَم عليه من عِشْقه لها ، أما إنْ كرهتَ النعمة عند الناس كرهتْكَ النعمة ، وقالت له : والله لا تحضرك نعمة كرهتَها عند غيرك . ثم إن النعمة قدر ، وعلى المؤمن أنْ يرضى بقدر الله ، ولا يعترض عليه ، وعليه أنْ يعلم أن لكل قدر حكمة إيمانية . وقوله : { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } [ فصلت : 32 ] دل على أن هذا النُّزل وهذا النعيم لا يناله العبد بعمله ، إنما يناله بمغفرة الله ورحمته ، وهذا يُفسِّر لنا الحديث النبوي الشريف : " لا يدخل أحد الجنة بعمله . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " . وقد تُستعمل كلمة النُّزل على سبيل الاستهزاء ، فالنزُل قد يكون في أحد الفنادق ، وقد يكون في السجن ، يقول تعالى في سورة الكهف : { إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } [ الكهف : 102 ] .