Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 23-23)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ذَلِكَ … } [ الشورى : 23 ] إشارة إلى نعيم الجنة { ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } [ الشورى : 23 ] والبشارة هي الإخبار بالخير قبل أوانه ، ثم ينتقل السياق إلى قضية أخرى متعلقة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الدعوة { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً … } [ الشورى : 23 ] يعني : قل لهم يا محمد : إنني لا أريد منكم أجراً على الدعوة والمهمة التي أقوم بها من أجلكم ، وأنت لا تقول هذه الكلمة إلا إذا كنت قد عملتَ عملاً تستحق عليه أجراً بالفعل . فالمعنى كأنه يقول : إن العمل الذي أقوم به من أجلكم كان يجب أن يكون لي عليه أجر ، لأنني أنصحكم وأدلكم على ما ينفعكم ، ومع ذلك لا أريد منكم أجراً . وكل رسل الله قالوا هذه الكلمة ، لأن الإنسان عادة يجازي مَنْ أسدى إليه جميلاً أو دلَّه على خير أو أشار عليه مشورة تريحه ، لذلك في كثير من مواكب الرسالات نقرأ : { وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ … } [ هود : 29 ] نعم على الله ، لماذا ؟ لأنه عمل عظيم نفيس وشريف ، لا يمكن لبشر أنْ يُقدره قدره ، أو يعطي عليه ما يستحق من أجر ، إذن : لا يعطيني أجري إلا الله الذي بعثني . قلنا : كل الرسل قالوا هذه الكلمة إلا سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى عليهما السلام ، لماذا ؟ قالوا : لأن سيدنا إبراهيم أول ما دعا دعا أباه آزر ، فكيف يطلب منه أجراً ؟ كذلك سيدنا موسى أول ما دعا دعا فرعون ، وكان له عليه فضل التربية . إذن : لا أريد منكم أجراً على مهمة الدعوة التي أقوم بها ، فأجري فيها على الله الذي بعثني ، وهو الذي يُقدِّرها قدرها ، شيء واحد أريده منكم { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ … } [ الشورى : 23 ] يعني : مودتكم لقرابتي . والمودة : ميل القلب إلى مَنْ تواده ثم معاملته بما يستحق من تكريم وتقدير . فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم : لقد أُرسِلْتُ إلى الناس كافة ، وقد قابلتموني بالإيذاء وجابهتموني بالعداء واضطهدتم أصحابي ، وألجأتموني إلى غيركم مرة إلى الطائف ، ومرة إلى القبائل الأخرى ، وألجأتم أصحابي إلى أن يتركوا بلادهم وديارهم ، وأنا لي في كل بطن من بطون قريش قرابة حتى في المدينة حيث أخوالي من بني النجار ، فلا أقلَّ من أنْ تعطوني حقي في قرابتي ، وحق القرابة ألاَّ تؤذوني ، فأنا لا أجبركم على الإسلام ولا أفعل ما يدعو إلى الإيذاء ، كذلك من حق القرابة ألاَّ تُسْلموني لعدوي ، فهذا حقي عليكم . أو يكون المعنى { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ … } [ الشورى : 23 ] يعني : أقاربي وأهل بيتي ، ذلك لأن أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم حرموا من مُعين على العيش ، فليسوا كباقي المسلمين ، حيث حُرِّمتْ عليهم أموال الزكاة التي يستحقها الفقير من غيرهم ، فلا أقلَّ من أن تعاملوهم بالحسنى وبالمعروف ، وتراعوا منزلتهم مني . لذلك نجد لهم أحاديث كثيرة في إكرام أهل البيت يقولون أن غيرهم قالها ، من ذلك : مَنْ مات على حب آل بيت رسول الله مات شهيداً ، مات مغفوراً له ، مات وتُحيِّيه الملائكة في قبره ، مات وفي قبره باب يؤدي به إلى الجنة ، ومن أبغض آل محمد فهو آيس من رحمة الله . قالوا هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلاماً مثل هذا ، قال : " أحبوا الله لما يغذوكم من النعم وأحبوني بحبِّ الله ، وأحبوا أهل بيتي لحبي " وهذا معنى آخر من معاني { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ … } [ الشورى : 23 ] . أو يُراد بها معنى ثالث { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ … } [ الشورى : 23 ] قرباكم أنتم يعني كل منكم يودُّ قريبه ويعطيه ويرعى حَقَّ قرابته ، ولو أن كل إنسان واجد عنده سعةٌ من الرزق يعطي قرابته ويكفيهم ويساعدهم على المعيشة الكريمة ما وُجد بيننا فقير ولا محتاج ، والمجتمع عبارة عن دوائر متداخلة ، فلو فعلنا ذلك لَعمَّ خير الله جميع خَلْق الله . ثم إن الأقارب لهم حَقّ في مالك غير الزكاة ، لذلك قال أحد الأغنياء : أنا أعطي أخي الفقير من مال الزكاة ، فقلنا له : والله لو يعلم أنك تعطيه من مال الزكاة ما قبلها ، إذن أعطه من نسبة 97 . 5 % لا من 2 . 5 % اترك هذه النسبة اليسيرة للفقراء الأباعد عنك . وآخر يقول : أضع مال الزكاة في بناء مدرسة ، وآخر يقول : في بناء مستشفى أو مسجد ، سبحان الله وهل نسبة 2 . 5 % تكفي كل هذا ؟ اجعلوها لأصحابها كما فرضها الله ليستقيم حال المجتمع ، ثم لو فعلنا كل هذا من مال الزكاة ماذا سنفعل في نسبة 97 . 5 % . إن وضع مال الزكاة في موضعه كما علَّمنا الحق سبحانه يحمي المجتمع ويستر عوراته ، فلا تجد فيه عارياً ولا جائعاً ولا مريضاً لا يجد ثمن العلاج ، لكن لما عطلنا أحكام الشرع في هذه المسألة ظهرت عورات المجتمع المسلم كما نرى ونشاهد . الحق سبحانه وتعالى وزَّع خَيْرَه على كل خَلْقه و هندس اقتصاد المجتمع ، بحيث لو نُفِّذت تعاليمه في هذه المسألة لعاشَ الفقير في نفس مستوى معيشة الغني . ومن هذه العدالة في توزيع الخير على الناس تجد مثلاً رجلاً غنياً في بلدة ما هي موطنه منذ مولده ، ومع ذلك يحنُّ إلى موطن آخر فيذهب إليه ويعمر فيه ويفيض من خيره على أهله ، قالوا : إذا رأيتَ مثل هذا الرجل فاعلم أن وجوده فائضٌ عن حاجة أهل بلده ، فنقله الله إلى مكان آخر محتاج إليه . وإذا كنا نفعل هذا مع أقاربنا ، فرسول الله أوْلَى بالمؤمنين من أنفسهم ، فقرب رسول الله أَوْلَى ، لأن رسول الله علم أنه سوف تأتي عهود يُضطهد فيها أهل بيته ، والتاريخ شاهد على ذلك ، وقد رأيتم آل البيت وقد تشتتوا في سائر البلاد ، بل وقُتل منهم مَنْ قُتِل ، وتعلمون مدى حبِّ شعب مصر لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كذلك نحب آبا بكر وعمر ، وليس بيننا شيعي واحد . والمودَّة والقربى أول ما تكون تكون لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كانت المودة ميل القلب لمن تهواه ، فهذا الميْل له تبعات ، فلا تراه محتاجاً وأنت واجد ، ولا تراه جاهلاً وأنت متعلم ، وهكذا . ومن المودة في القربى بر الوالدين . وقلنا : إن الحق سبحانه وتعالى جعل بر الوالدين دُرْبة ورياضة للإيمان بالله ، لأنهما سبب الوجود المباشر ، وهو سبحانه سبب الوجود الأعلى ، فقال سبحانه : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً … } [ العنكبوت : 8 ] وفي آية أخرى { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً … } [ الأحقاف : 15 ] . حتى في حال عصيانهما في أعلى منطقة وهي منطقة العقيدة والتوحيد أَمَرَ ببرهما { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً … } [ لقمان : 15 ] وأعطى الاهتمام الأكبر للأم في قوله تعالى : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ … } [ العنكبوت : 8 ] أي : الاثنين ولم يذكر حيثية للأب ، إنما ذكر حيثية الأم فقال { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ … } [ لقمان : 14 ] لأن دور الأم كان في حال الصِّغر وعدم التعقُّل لما تفعل ، فدورها غائب عنك ، سابق لوعيك وإدراكك للأمور ، فلما كبرت عرفت دور الأب ، لذلك ذكَّرك الحق سبحانه بدور الأم الذي غاب عنك . ثم نجد القرآن يحتاط فيراعي حقَّ التربية ، حتى إنْ ربَّى غير الوالدين فيقول : { وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } [ الإسراء : 24 ] فمَنْ ربَّى كان في منزلة الوالدين واستحقَّ البر مثلهما تماماً . وقوله تعالى : { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً … } [ الشورى : 23 ] يعني : يفعل طاعة لله { نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً … } [ الشورى : 23 ] فالأمر لا يقف عند حد المودة ، إنما أيضاً ترعاهم فيما يحتاجون إليه { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } [ الشورى : 23 ] غفور وشكور صيغة مبالغة من غافر وشاكر ، فالحق سبحانه واسع المغفرة كثير الشكر ، يغفر لمن تاب إليه ويشكر مَنْ أطاعه ، والشكر يكون بالزيادة كما قال سبحانه : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ … } [ إبراهيم : 7 ] .