Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 25-25)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

من لُطْف الله بعباده ورحمته بهم أنْ شرع لهم التوبة وجعل بابها مفتوحاً لا يُغلق ، والتوبة أمل يتعلق به المسيء ويجد فيه حبل النجاة فيعود وتحسن سيرته ويتقوَّم سلوكه وينتفع به مجتمعه ، أما إنْ أغلقنا باب التوبة في وجهه وألجأناه إلى اليأس تمادى في عصيانه فشَقِي وشَقِي به مجتمعه . والتوبة تعني رجوع المسيء إلى الله ، ولها مراحل : شرع الله التوبة ومجرد مشروعيتها فضل من الله ، ثم إذا تاب العبد قبلَ الله منه توبته ، لذلك قال تعالى { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ } [ التوبة : 118 ] تاب عليهم . يعني : شرع لهم التوبة ليتوبوا فيقبل توبتهم . والتوبة ليست كلمة تقال : أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه ، إنما التوبة منهج متكامل ، وقد بيَّنها لنا الإمام علي رضي الله عنه عندما أقيمت الصلاة فسمع رجلاً في الصف يقول : أستغفر الله العظيم ، الله أكبر ، فلما انتهى من الصلاة قال له : لقد استعجلتَ في التوبة فتوبتك تحتاج توبة . إذن : ليست مجرد كلمة ، إنما منهج وبرنامج تستعرض فيه أولاً ما فاتك من سيئات وما حدث منك من تفريط ، فتندم أولاً على ما بدر منك ، وقد ورد في الحديث : " الندم توبة " . وفي قصة بني آدم : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ المائدة : 30 ] فعندما هدأتْ عنده سَوْرة الشر والخصومة عاد إلى الصواب فندم على ما فعل ، ثم تتذكر ما فاتك من فروض الصلاة فتقضيها أو تجبرها بصلاة النوافل . ثم ترد المظالم إلى أهلها . فهذه شروط ينبغي توافرها ، ثم زدْ على ذلك أن تذوب في الحسنة كما ذُبْتَ في السيئة ، وأنْ تذوق مرارة مشقة الطاعة كما ذقتَ حلاوة المعصية . والقياس في اللغة أن نقول : يقبل التوبة من عباده ، لكن الحق يقول { عَنْ عِبَادِهِ … } [ الشورى : 25 ] فكأن الحق سبحانه يرد عنهم ذنوبهم حين يقبل منهم التوبة ، فتكون النتيجة مغفرة الذنوب التي ارتكبوها لكن الذنوب التي ارتكبوها لها صفات من الحق تطلب حقَّها فيه . فحين يفعل العبد الذنب تأتي صفة القهار والجبار والمنتقم وهي صفات الجلال ، وهذه الصفات تقتضي العقاب ، ثم تأتي صفات الجمال من الحق سبحانه صفة الغفور الرحيم التواب … إلخ . لذلك قال في حديث آخر رمضان : " شفع المؤمنون ، وشفع النبيِّون ، وشفعتْ الملائكة ، وبقيت شفاعة أرحم الراحمين " . فإذا كان المؤمنون والنبيون والملائكة سيشفعون عند الله تعالى فعند مَنْ يشفع أرحم الراحمين ؟ قالوا : لأن لله صفات جلال وصفات جمال ، فإذا أخذتْ صفات الجلال حقَّها من المذنب العاصي تأتي صفات الجمال لتشفع له عند صفات الجلال في نَفي مستحقاتها عنده . إذن { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ … } [ الشورى : 25 ] عبَّر بـ عَنْ مع أن التوبة منهم ، فقال عنهم ليحملهم عنهم . لذلك تجد دقة في استخدام هذه الحروف في القرآن الكريم ، ولكل منها معنى لا يؤيده غيره ، اقرأ مثلاً قوله تعالى : { فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ … } [ طه : 71 ] . ومعلوم أن الصَّلْب يكون على الجذوع ، لذلك قال بعض المفسرين أي : على جذوع النخل ، لكن لماذا عدل القرآن عن على إلى في لا بدَّ أنَّ لها معنى لا تؤديه على . إذن : المراد لأصلبنكم تصليباً شديداً مُحكماً ، بحيث تدخل بعض أجزاء المصلوب في المصلوب عليه ، لذلك قال { فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ … } [ طه : 71 ] . كذلك في قوله تعالى { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ … } [ إبراهيم : 39 ] بعضهم قال : يعني مع الكبر . كيف و على ثلاثة أحرف و مع حرفان . فلا بدَّ أن لها معنى لا تؤديه مع ، ما هو ؟ قالوا : على تفيد الاستعلاء ، فالكبر كان مانعاً من الإنجاب ، لكن قدرة الله وإرادته عَلَتْ وغلبتْ هذا المانع . ومثلها تماماً قوله تعالى : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ … } [ الرعد : 6 ] فكأن المعصية التي فعلوها كانت تستوجب العقوبة ، لكن عفو الله ومغفرته ورحمته بعباده عَلَتْ على العقوبة . وقوله : { وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ … } [ الشورى : 25 ] أي : يمحوها { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ … } [ الشورى : 25 ] لأن علمه تعالى محيط شامل لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، فإذا كنتَ قد اقترفت سيئة ولا يعلم بها أحد فالله يعلمها ولا بدَّ أنْ تتوب عنها ، حتى خواطرك التي تجول في نفسك ولم تظهر على جوارحك يجب أن تتوب عنها . ثم يقول الحق سبحانه : { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } .