Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 27-27)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآية تقرر طبيعة في النفس الإنسانية ، كما قال سبحانه في موضع آخر : { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [ العلق : 6 - 7 ] لأن الرزق عندما يكون مبسوطاً ميسَّراً لا يشغل المرء به ولا بالحركة من أجله ، فلا يكد ولا يتعب ويتفرغ لأمور أخرى تشغله ومنها البغي . لذلك لما تحدَّث القرآن عن قارون ، وهو أوضح مثال للغَنى الطاغي ، قال سبحانه : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ … } [ القصص : 76 ] إذن : النعمة والثراء قد يدعوان الإنسان إلى الطغيان والبغي بغير الحق ، وبسطة الرزق تعني سعته وتيسير سُبُله ، وهي في هذه الحالة نوع من الابتلاء . وقوله : { وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } [ الشورى : 27 ] أي : يسوق الرزق بقدر معين وبحساب على مقتضى علمه سبحانه وحكمته في تدبير شئون خلقه ، فيعطيهم بحساب بحيث لا يصل العبد إلى مرحلة الطغيان والبغي ، وهو سبحانه أعلم بطباع عباده وأعلم بما يصلحهم ، لذلك ورد في الحديث القدسي : " إن من عبادي مَنْ إذا أغنيته لفسد حاله ، ومنهم إذا أفقرته لصلح حاله " . وقد اهتم الإسلام بالجانب الاقتصادي في حركة الحياة وفرضَ الزكاة من أجل استطراق الخير في المجتمع ، وعلَّمنا أن نُفرِّق بين الفقر عن عجز واحتياج ، والفقر عن حرفة وخداع ، فمَنْ يتخذ الفقر حرفة ليس له نصيب ، ولا يصح أنْ تعينه على التكاسل والقعود عن العمل . أما العاجز فمستحق ، لأنه غير قادر على الكسب ، لذلك جعل الله له جزءاً في مال القادر يصل إليه ، وهو مُعزَّز لا يريق ماء وجهه للقمة العيش ، بل يحفظ له الحقُّ سبحانه كرامته ، ويجعلك أنت أيها الغني القادر تذهب إليه وتطرق عليه بابه وتعطيه ليعلم أن الله حين سلبه قدرته سَخَّر له قدرات الآخرين . كذلك مثلاً في فريضة الحج ترى غير المستطيع حزيناً لأنه لم يحج ، والواقع أنه أحظُّ عند الله من المستطيع الذي يحج لأن المستطيع قد يؤدي ولا يقبل منه ، أما غير المستطيع فقد سقط عنه الفرض أصلاً . ويقولون : إن نسبة تسعين بالمائة من الناس لم يروا البيت يعني لم يطوفوا به ، فهل يعني هذا أن الله يحرمهم رؤيته ؟ لا بل لهم منه نصيب كما قيل : " من الناس مَنْ يطوف بالبيت ، ومن الناس مَنْ يطوف بهم البيت " . ثم إن حالة الفقر هذه أو العجز لا تدوم مداولة بين الناس ، كما قال سبحانه : { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ … } [ آل عمران : 140 ] . وسبق أنْ بيَّنا أن الفقر في المجتمع له حكمة ، لأن حركة المجتمع ومصالح الناس لا يمكن أنْ تقوم على التفضُّل ، إنما تقوم على الحاجة ، فحين تُلجئك الحاجة تعمل ولا تستنكف من العمل الشاق أو الحقير ، وإلا فمَنْ سيقوم بهذه الأعمال . ورأينا العامل حين يرضى بقدر الله فيه ويخلص في عمله يقول الله له : رضيتَ بقدري فسأعطيك على قدري . فتراه بعد فترة أصبح صاحب عمل بعد أنْ كان أجيراً ، لأنه أخلص لصاحب العمل ولم يحقد عليه ، ولم يكره النعمة عنده . إذن : الحق سبحانه لا يضيق الرزق ولا يعطي بقدر إلا في مظنة الضرر ، فمَنْ علم الله منه أنَّ بسطة الرزق تفسده يُضيِّق عليه منافذ الرزق ليصلحه بالفقر . فالأصل أنه تعالى جواد كريم يبسط رزقه لعباده ، لذلك يقول في الآية بعدها : { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ … } .