Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 33-33)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى { فَيَظْلَلْنَ … } [ الشورى : 33 ] أي السفن { رَوَاكِدَ … } [ الشورى : 33 ] ثوابت ساكنة لا تتحرك ، قد يُحرِّكها الموج في مكانها لكنها ثابتة لا تسير { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ … } [ الشورى : 33 ] صبار فعَّال وهذه صيغة مبالغة من صابر لأن جريان السفن يحتاج إلى مجهود وإلى مشقة ، فلا بدَّ من الصبر الطويل . وكذلك { شَكُورٍ } [ الشورى : 33 ] على وزن فعُول ، وهي أيضاً صيغة مبالغة من شاكر ، فجريان السفن من آيات الله التي تستوجب شكره عليها . ثم إن هذه الآية جاءتْ بعد قوله تعالى { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ … } [ الشورى : 30 ] فالمصائب أيضاً تحتاج إلى الصبَّار الشكور لأن المصيبة حين تنزل بالمرء لا تصيب كلَّ الأعضاء ولا تأتي عليه كله ، فالله يصيبك في شيء ويعافيك في أشياء ، فالمصاب يحتاج إلى صبر والمعافى يحتاج إلى شكر . لذلك رُوِي أن سيدنا عبد الله بن جعفر لما ذهب إلى الشام جُرحَتْ رِجْله وهو في الطريق ، ولم يجد مَنْ يعالجه لطول المسافة ، فقاحتْ وحدث بها تلوث وأصابتها الغرغرينة ، فلما بلغ دمشق ونزل في ضيافة الخليفة أتوا له بالأطباء . فقرروا بترها والتمسوا له مُرقَّد وهو مثل البنج الآن كي لا يُحس بالألم ، لكنه رفض ذلك وقال : والله ما أحبُّ أنْ أغفل عن ربي طرفة عين ، وفعلاً قطعوا رِجْله دون تحذير ، لأن الذي يتمتع بهذه المعية ويشعر بهذا الشعور حقيقٌ ألاَّ يشعر بألم وهو في معية الله . هذه المعية التي احتمى بها سيدنا رسول الله وصاحبه في الغار حين قال له : لا تحزن إن الله معنا ، أبو بكر يقول : يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا ، فيقول له صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ " ذلك لأنهما في معية الله ، والله لا تدركه الأبصار ، وكذلك من كان في معية الله منحه الله شيئاً من هذه الصفة . فلما قال سيدنا عبد الله بن جعفر : ما أحبُّ أن أغفل عن ربي طرفة عين قطعوا رِجْله وهو في هذه الحالة فلم يشعر بألمها ، فلما أرادوا أنْ يدفنوها أمسك بها وقال : اللهم إنْ كنتَ ابتليتَ في عضو فقد عافيتَ أعضاء . إذن : هذا مثال للعبد الصبار الشكور ، صبار على المصيبة شكور على النعمة . وفي قوله سبحانه : { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ … } [ الشورى : 33 ] لون آخر من الإعجاز القرآني ، لأن السفينة قديماً كانت لا تسير إلا بالهواء ، فكيف وهي الآن تسير بقوة الوقود أو بالكهرباء ولا تحتاج إلى الريح ، فهل يعني استغناء السفن عن الريح أن الآية لم يَعُدْ لها مجال الآن ؟ قالوا : لا بل هي خالدة باقية لها معنى يُعتبر إلى قيام الساعة ، لأن من معاني كلمة الريح أي القوة أياً كانت . واقرأ إنْ شئتَ قوله تعالى { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ … } [ الأنفال : 46 ] أي : قوتكم ، فإن استغنيتم عن الريح بقي معنى القوة ، سواء أكانت بالبخار أو غيره . وقوله { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [ الشورى : 33 ] بعد { فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ … } [ الشورى : 33 ] إشارة لأصحاب السفن وركابها ، أنها إذا توقفت عن السير بسبب سكون الريح فلا تحزن ، واستقبل هذه المسألة بشيء من الصبر ، واشكر الله أنْ جاءت الشدة على هذه الصورة ، ولم تكُنْ أكثر من ذلك كأن يصيبها عطب أو إعصار أو غير ذلك من المصائب ، يعني : اصبر على ما فاتك واشكر على ما بقي لك .