Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 40-40)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق سبحانه وتعالى رحيم بعباده لطيف بهم ، وحينما أجاز لهم الرد بالمثل في القصاص وفي المظالم أراد سبحانه أنْ يُرضي مواجيد المظلوم وعواطفه ، وأنْ يريحه بالانتقام من ظالمه ، لكن ضيَّق هذا الباب في حين أوسع باب العفو ورغّب فيه ، ضيَّق عليك باب الانتقام حينما قال : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } [ النحل : 126 ] . فالحق سبحانه حينما قال { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا … } [ الشورى : 40 ] إنما ليريح قلبك ويُنهي العداوة والبغضاء بين الطرفين ، لكن أتضمن حين تنتقم أنْ ترد بالمثل ؟ إن المثلية هنا أمر شاقّ جداً لا يقدر أحد عليه ، ففي أبسط الأمور لو شخص ضرب الآخر ضربة ، أو لطمه لطمة على وجهه ، أيستطيع أنْ يردَّ بمثلها دون زيادة ؟ ولو زاد عليها لكان هو الآخر ظالماً . إذن : في العفو سَعة ومخرج من هذا الحرج ومن هذا التضييق . لذلك يُحكى أنه كان في إيطاليا رجل مُرابٍ أقرض شخصاً لأجَل ، لكن اشترط عليه إذا لم يُؤدّ في الموعد المحدّد بينهما أنْ يقطع رطلاً من لحمه مقابل هذا الدَّيْن ، فلما جاء الموعد ولم يدفع المدين ما عليه رفع الدائنُ أمره إلى القاضي ، فأقره القاضي على شرطه وقال له من حقك أنْ تأخذ رطلاً من لحمه لكن تذكَّر إنْ زاد أخذنا الزيادة من لحمك أنت ، وإنْ نقص أكملناه من لحمك أنت ، فلم يملك المرابي إلا التراجع عن شرطه . لذلك يقول تعالى : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } [ الشورى : 40 ] وكأن الانتقام لا بدَّ وأنْ يجر صاحبه إلى منطقة الظلم . وعن الإمام علي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يومُ القيامة نادى مُنادٍ يقول : مَنْ كان أجره على الله فليقُم للجنة ، فلم يرد أحد ، فقال : من كان أجره على الله فليقم للجنة - يعني بغير حساب - فقالوا : ومَنْ الذي أجره على الله ؟ قال : العافي عَمَّن أساء إليه " . " ورُوي أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم بين أصحابه فضحك فسأله عمر رضي الله عنه : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : رأيتُ ربي يفصل في خصومة بين اثنين . فقال أحدهما : ربّ إن هذا أساء إليَّ فخُذْ من حسناته وأعطني بقدر إساءته ، فقال له : ليس له حسناتٌ ، لكن انظر ، فنظر فإذا بقصور وأشياء عجيبة ، فقال : لمَنْ هذه يا ربّ ؟ قال : لمن عفا عن أخيه . فقال : عفوت عنه ، فقال : فخُذْ بيد أخيك وادخُلا الجنة " . ولك أنْ تتأمل كيف يصلح الخالق الخَلْق بهذه القيم ، وما علينا إلا أنْ نُخرجها من المجال النظري إلى التطبيق والعمل . والسيئة في قوله تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا … } [ الشورى : 40 ] يعني : عمل فيه إساءة لك بقول أو فعل ، وليست سيئة الذنوب والمعاصي في حَقِّ الله تعالى .