Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 29-30)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلنا : إن المنهج ينطمس وينصرف الناسُ عنه بمرور الزمن حتى تدعوَ الحاجةُ لنبي جديد يُعيد الناس إلى الجادَّة ، لأن الحق سبحانه خلق في النفس البشرية مناعة طبيعية لأنه خليفة الله في أرضه ، فهو الذي سيعمر هذه الأرض ، فلا بدَّ أن يُوفر له أسباب الاستقامة والحركة الإيجابية التي يعمر بها الأرض . لذلك نرى الإنسان السَّوي حينما يفعل المعصية حين غفلة منه عن منهج ربه يُسرع بالتوبة والندم ، لأن الاستقامة وبذرة الإيمان في ذاته ، فإذا أصيب المرْءُ في ذاته وفقد هذه المناعة تأتي المناعة من المجتمع ، المجتمع الواعي المدرك لدوره الجماعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا فقد المجتمع هو الآخر هذه المناعةَ لم يَبْق إلا أن تتدخَّل السماء برسول جديد ومنهج جديد . إذن : حدث الانصرافُ عن المنهج بعد إبراهيم وإسماعيل ، فكانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فسيدنا إبراهيم جعل كلمة التوحيد باقية في عقبه { لَعَلَّهُمْ } [ الزخرف : 28 ] أي : ذريته من بعده { يَرْجِعُونَ } [ الزخرف : 28 ] أي : إلى الله . لكن لم يحدث ، فقال سبحانه : { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ } [ الزخرف : 29 ] أي : كفار مكة { وَآبَآءَهُمْ } [ الزخرف : 29 ] بالجاه والسلطان والنعيم والأمن { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [ العنكبوت : 67 ] وجعل لهم منزلة وقداسة بين العرب لمكانتهم من البيت ، وظلَّتْ لهم هذه المنزلة { حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } [ الزخرف : 29 ] أي : القرآن { وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } [ الزخرف : 29 ] أي : محمد صلى الله عليه وسلم و { مُّبِينٌ } [ الزخرف : 29 ] يعني : يظهر الحقَّ على يديه وفي كل شيء فيه . لكن هل آمنوا بهذا الحق ، وصدَّقوا بهذا الرسول ؟ لا { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } [ الزخرف : 30 ] أي : أن القرآن سحرٌ يَسحر مَن استمعه ، وفي موضع آخر قالوا عن الرسول أنه ساحر . وقلنا : إن الرد على هذا الافتراء سهلٌ ، فلو كان القرآن سحراً ولو كان محمداً ساحراً سحر المؤمنين به ، فلماذا لم يسحركم أنتم أيضاً ، وتنتهي المسألة ؟ إذن : وجودكم على الكفر دليلُ صدق محمد ، وأنه نبي ليس بساحر . ولما لم تفلح هذه الشبهة قالوا : { إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } [ النحل : 103 ] أي : أن رسول الله يختلف إلى رجل فارسي يُعلِّمه القرآن ، فرد الله عليهم { لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [ النحل : 103 ] . فقالوا عنه صلى الله عليه وسلم : مجنون ، فردَّ الله عليهم : { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم : 2 - 4 ] والمجنون لا يكون صاحب خُلْق عظيم ، لأن الخُلقَ يضبط سلوك صاحبه . فلما أبطل الحق سبحانه دعاواهم وافتراءاتهم وردّ عليهم بما يُظهر غباءهم قالوا : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا … } .