Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 32-32)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني : إذا كنا قسمنا بينهم أبسط الأشياء وهي معايشهم في الدنيا أيريدون هم أنْ يقسموا رحمة الله وفضل الله حسْب أهوائهم ، ورحمة الله يختصُّ بها مَنْ يشاء من عباده ، فهي من يده سبحانه لا دخَلْ لأحد في توزيعها . فقوله تعالى { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [ الزخرف : 32 ] دلَّ على عجز الإنسان ، وأن حركة الحياة لا تنصلح إلا بمنهج الله الذي ينظمها . ومن حكمة هذه القسمة أنْ جعل بعضَ الناس أغنياء وبعضهم فقراء ، بعضهم سادةٌ وبعضهم خَدَم ، ولولا هذه القسمة ما استقامتْ حركة المجتمع وما وجدنا مَنْ يقوم بالأعمال الشاقة أو الأعمال الحقيرة . وسبق أنْ أوضحنا أن حركة المجتمع وتقدمه لا يقوم على التفضُّل ، إنما على الحاجة ، فحاجة الفقير هي التي تدفعه للعمل . والرحمة المرادة هنا { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [ الزخرف : 32 ] هي النبوة ، فهم يطمعون في أنْ يجعلوها اختياراً يختارونه من ساداتهم وكبراء القوم فيهم ، فالحق سبحانه يُصحِّح لهم ويقول : كيف تطمعون في ذلك وأنتم لا تقدرون على قسمة أبسط الأشياء ؟ ثم تلاحظ أن كلمة { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [ الزخرف : 32 ] كلمة مبهمة تعني أن الكلّ مرفوع ومرفوع عليه ، مرفوع في شيء ، ومرفوع عليه في شيء آخر . وهكذا يتكامل الخَلْق ، وتتم المصالح ، وتُقضى حاجات المجتمع كما قال الشاعر : @ النَّاسُ للناسِ مِنْ بَدْوٍ وحَاضِرةٍ بَعْضٌ لبعْضٍ بمَا لاَ يعلموا خَدمُ @@ فأنت مرفوع فيما تُحسنه من الأعمال ، ومرفوع عليك فيما لا تجيده ، هذا معنى قوله تعالى : { لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } [ الزخرف : 32 ] . { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ الزخرف : 32 ] المراد برحمة ربك هنا الرسالة والمنهج الذي يهدي الخَلْق إلى طريق الحق ، هذه الرحمة في الحقيقة خيرٌ من هذا المتاع الزائل الذي تتنافسون عليه في الدنيا ، لأن الإنسان مهما وصل في الدنيا إلى الرفاهية والترف والنعيم فسوف يموت ويتركه ولن يبقى له منه شيء . أما منهج الله فيُورثك فوزاً باقياً تسعد به في الدنيا وتفوز به في الآخرة . إذن : هو خير وهو أبْقى ، وهو أنفع لك وأدوم ، هذا المنهج يضمن لك صلاحَ الدنيا وسلامة الآخرة لذلك كان هو { خَيْرٌ } [ الزخرف : 32 ] من كل ما تراه من بريق الدنيا . ثم يتكلم الحق سبحانه عن الكافرين الذين ملكوا الدنيا ، وأخذوا كل مظاهر الزينة والترف والنعيم ، وتحكموا حتى في قوت ومصائر المسلمين ، وبيَّن أن هذا الزخرف شكلٌ ظاهري زائل ، والعاقبة لا بدَّ أنْ تكون لأهل الإيمان في النهاية : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا … } .