Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 57-57)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هنا الفعل ضُرِب مبني لما لم يُسَمَّ فاعله ، فمَنِ الذي ضرب ابن مريم مثلاً ؟ الحق سبحانه وتعالى هو الذي جعل ابن مريم مثلاً ، لأنه وُلِد لأم بلا أب ، وجاء من نفخة الحق سبحانه في مريم ، فنسبوه إلى الله ، تعالى الله عن ذلك عُلواً كبيراً ، فردَّ الله عليهم بأن عيسى في الخَلْق مثل آدم . { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ] فإذا كان عيسى بلا أب ، فآدم بلا أب وبلا أم ، والذي يقدر على الأعلى يقدر على الأدنى من باب أَوْلَى ، فلا تُفتنوا فيه . وبعد أن نزل قوله تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [ الأنبياء : 98 ] تبيَّن أنه الضّال بعبادة غير الله هو ومعبوده في جهنم معاً { حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] يعني : وقودها . " وجاء رجل اسمه عبد الله بن الزبعري قبل أنْ يسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : يا محمد أهذه الآية لنا أم لجميع الخَلْق ؟ قال صلى الله عليه وسلم : لجميع الخَلْق ، فقال له : كيف وعيسى عُبد من دون الله ، والعُزير عُبد من دون الله ، والملائكة عُبدوا من دون الله ، أيذهب هؤلاء مع عابديهم إلى النار ؟ فلم يُجبْه رسولُ الله إلى أنْ نزل قول الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } " . ولما بلغتْ هذه المسألة سيدنا علياً رضي الله عنه قال : ما هنا لغير العاقل ، فلا يدخل في هذا الحكم عيسى ولا العُزير ولا الملائكة ، وهذه من حكمة الإمام علي الذي تربَّى في حضن النبي وتعلَّم في مدرسته منذ صِغَره ، وجاءت ثقافته من نور النبوة . لذلك ورد في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم : " أنا مدينة العلم ، وعليٌّ بابها " . وكان من الفقهاء أصحاب الاستنباط الواعي حتى أمام كبار الصحابة ، حتى إن عمر بن الخطاب الذي كان ينزل القرآن وِفْق رأيه يقف في مسألة لا يحلُّها إلا على ، حيث عُرضَتْ عليه مسألة المرأة التي ولدتْ لستة أشهر فقال بإقامة الحدِّ عليها ، لأن المشهور في أشهر الحمل تسعة أشهر . فقال : يا أمير المؤمنين لا شيء عليها لأن الله يقول : { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } [ الأحقاف : 15 ] ويقول : { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [ البقرة : 223 ] إذن : مدة الحمل يمكن أن تكون ستة أشهر . ومرة دخل على سيدنا عمر ومعه درّة ، يريد أن يضرب بها سيدنا حذيفة فقال له : ما لي أراكَ مُغضباً يا أمير المؤمنين ؟ قال : سألتُ حذيفة كيف أصبحتَ ؟ فقال : أصبحتُ أحب الفتنة ، وأكره الحق ، وأصلي بغير وضوء ، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء . فقال علي : صدق والله يا أمير المؤمنين . فقال عمر : أتقولها يا أبا الحسن ؟ قال : أما الفتنة فقال تعالى : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } [ الأنفال : 28 ] والحق الذي يكرهه هو الموت ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بغير وضوء ، وله في الأرض زوجة وولد وليس لله زوجة ولا ولد . عندها قال عمر : بئس المقام بأرض ليس فيها أبو الحسن . ومن لطائف ما رُوِي عنه رضي الله عنه أنه مرّ بجماعة اختلفوا في أيِّ مخلوقات الله أشد وأكثر قوة ، فسألوه : ما أشدَّ جنود الله يا أبا الحسن ؟ فكأنه كان على علم مُسْبق بهذه المسألة ، وأنه سيُسأل عنها ، لذلك قال - وحصر العدد قبل المعدود : وأشار بيده أنها عشرة : الجبال الرواسي ، والحديد يقطع الجبال ، والنار تذيب الحديد ، والماء يطفئ النار ، والسحاب يحمل الماء ، والريح يحمل السحاب ، وابن آدم يغلب الريح يستتر بالثوب ويمضي إلى حاجته ، والسُّكْر يغلب ابن آدم ، والنوم يغلب السُّكْر ، والهم يغلب النوم ، فأشدُّ جنود الله الهَمُّ . وفي بعض أحاديثنا مع الإخوان طلبوا مني أنْ أذكر لهم خطبة الإمام على التي قالها لما ماتتْ فاطمة بنت محمد ، وكنتُ كلما ذكرتها لهم قالوا أعِدْ مرة أخرى ، قلتُ : لما ماتت فاطمة دُفنَتْ بجوار رسول الله والصحابة . وبعد أن دُفنَت قالوا له : يا علي لو أننا أبحنا لكل أولاد الرسول أنْ يُدفنوا إلى جواره لضاقَ المسجد بالناس ، فقال : ضعوها نهارنا وسوف أنقلها ليلاً كي لا تحدث فتنة ، وبالليل نقلها إلى البقيع . وكان مما قاله الإمام علي وهو يدفن فاطمة إلى جوار أبيها ، قال : السلام عليك يا رسول الله ، مني ومن ابنتك النازلة في جوارك السريعة اللحاق بك ، قَلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ، ورَقَّ عنها تجلُّدي ، إلا أن لي في التعزِّي بمصيبتك موضعَ سَلْوى . فقد وسَّدتُك يا رسول الله في ملحودة قبرك ، وفاضتْ بين سَحْري ونحري نفسُك ، أما ليلي فمسهَّد ، وأما حزني فسَرْمد إلى أنْ يختار الله لي داره التي أنت فيها مقيم ، وستخبرك ابنتك عن حال أُمتك فأصْفِهَا السؤال ، واستخبرها الحال - هذا ولم يطل منك العهد ، ولم يخل منك الذكر . فلما أراد أنْ ينصرف قال : والسَّلام عليكما سلامَ مُودّع لا قالٍ ولا سَئم ، فإنْ أنصرف فلا عن ملالة ، وإنْ نُقِم فلا عن سوء ظن بما وعد الله به عباده الصابرين . ومعنى { يَصِدُّونَ } [ الزخرف : 57 ] أي : يرفعون أصواتهم بالضحك والسخرية من رسول الله .