Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 59-59)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنْ هُوَ } [ الزخرف : 59 ] هنا تفيد النفي يعني : ما هو أي سيدنا عيسى { إِلاَّ عَبْدٌ } [ الزخرف : 59 ] عبد لله كسائر الخلْقِ يعني ليس إلهاً كما يدَّعُون { أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الزخرف : 59 ] مثلاً يعني عبرة أو عجيبة من عجائب الخَلْق تظل باقية أبد الدهر ، أليس عجيباً أن يتكلم عيسى في المهد ؟ فلما سُئلَتْ عنه أمه لم تشأ أنْ تتكلم ، لأن كلامها لن ينفي عنها تهمة القوم ، فأشارت إليه ، عندها تعجبوا { كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } [ مريم : 29 ] فنطق عيسى وهو في مهده : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ } [ مريم : 30 ] . فكان أول كلامه أنْ أثبت عبوديته لله ، وهذه المسألة يُخفيها بعض النصارى ، لأنها تتعارض ومعتقداتهم في المسيح . وعجيب أنْ يقول بعد ذلك { آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } [ مريم : 30 ] هكذا بصيغة الماضي وهو ما يزال في مهده ، كيف ؟ لقد آتاه اللهُ الكتابَ وجعله نبياً بعد أنْ كبر وبلغ مبلغَ التكليف وحمل الرسالة ، إذن : ما يريده الله سوف يحدث لا محالة ، وقد أخبره الله بذلك وهو في مهده . وكلمة { عَبْدٌ } [ الزخرف : 59 ] محل العطاء الأوفى من الله ، ما دُمْتَ تخلص العبودية لله . هذا الإخلاص الذي رفع العبد الصالح إلى أنْ يسير موسى عليه السلام في ركابه ويتعلم منه ، وقال الله عنه : { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [ الكهف : 65 ] . وفي الإسراء قال تعالى : { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } [ الإسراء : 1 ] فكأن العبودية هي محلُّ العطاء ، عطاء الرسالة وما هو فوق رسالة . وهنا أيضاً كانت عبودية المسيح هي محلُّ { أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } [ الزخرف : 59 ] بماذا ؟ أنعمنا عليه بالاصطفاء للرسالة ، وخلقناه على غير مثال سابق في الخلق لذلك قال سبحانه : { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } [ المؤمنون : 50 ] أي : معجزة عجيبة دالة على طلاقة القدرة . وقال هنا { وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الزخرف : 59 ] لأنهم قوم ماديون لا يؤمنون بالغيبيات ، ودائماً يطلبون الشيء المادي الذي تقع عليه حواسّهم . ألم يقولوا لموسى : { أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً } [ النساء : 153 ] وهو سبحانه غَيْب { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ } [ الأنعام : 103 ] . ولما أنزل الله عليهم المنَّ والسَّلْوى ، وهو من أجود الطعام وأحسنه قالوا : { يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ } [ البقرة : 61 ] .