Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 77-78)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الكلام هنا عن أهل النار والعياذ بالله ينادون مالك خازن النار { يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ … } [ الزخرف : 77 ] يعني : بالموت لنستريحَ ممَّا نحن فيه من العذاب الدائم الذي لا ينتهي ، لأن الحق سبحانه يقول { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ … } [ النساء : 56 ] . وقلنا : إن العلوم الحديثة أثبتتْ أن الجلد هو موضع الإحساس ، بدليل أنك حين تأخذ حقنة مثلاً لا تشعر بالألم إلا بمقدار نفاذ الإبرة من الجلد ، وقد سبق القرآن كل العلوم في بيان هذه الحقيقة ، لذلك يطلب أهل النار الموتَ لينقذهم من هذا العذاب . لكن نلحظ أن الفعل { لِيَقْضِ … } [ الزخرف : 77 ] جاء بصيغة الأمر ، واقترنَ أيضاً بلام الأمر ، فهل الحق سبحانه وتعالى يُؤمر وخاصةً من أهل النار ؟ قلنا : إن الطلب إنْ كان من الأعلى للأدنى فهو أمر ، وإنْ كان من المساوي لك فهو التماس ، وإن كان من الأدنى للأعلى فهو دعاء ، فنحن إذن لا نأمر الله إنما ندعوه . قال أي مالك { إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [ الزخرف : 77 ] باقون في النار خالدون فيها ، لأنه لا عذرَ لكم { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ … } [ الزخرف : 78 ] أي : الدين الحق والمنهج الحق { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } [ الزخرف : 78 ] وهذا معنى { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ } [ الزخرف : 76 ] . ثم يُوجه السياقُ الحديثَ إلى سيدنا رسول الله ، وكثيراً ما يخاطبه ربه ليُسلِّيه ويُخفِّف عنه لأنه لاقى من عَنَت قومه وعنادهم الكثير ، وآذوه في نفسه وذاته حينما أغروا به سفهاءهم ورَمَوه بالحجارة حتى أدْموا قدميه ، وألقوا سقط البعير والقاذورات على ظهره وهو يصلي . وآذوه في معنوياته فقالوا عنه : ساحر وكاهن وكذاب وشاعر ومجنون ، فالحق سبحانه يُبيِّن له أنه جاء على فترة من الرسل بعد أنْ فسدَ الخَلْق وانتشر الشرُّ ، ووراء هذا الفساد قومٌ يستفيدون منه ويدافعون عنه ، وطبيعي أنْ يصادموك وأنْ يقفوا في وجه دعوتك ، لأنهم يريدون الإبقاء على مكانتهم وانتفاعهم بهذا الفساد . وقد وصل كُرْه هؤلاء لرسول الله أنْ بيَّتوا للقضاء عليه والخلاص من دعوته ، قال تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ الأنفال : 30 ] . وهنا يخاطب الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم : { أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً … } .