Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 83-83)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا أمر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَذَرْهُمْ } [ الزخرف : 83 ] اتركهم يا محمد وما يخوضون فيه من هذا الحديث الكاذب ، وكلمة { يَخُوضُواْ } [ الزخرف : 83 ] من الخوض . وأصلها خَوْض الإنسان في لُجة الماء الكثير ، ثم استُعملَتْ مجازاً فيمَنْ يخوض في الحديث دون دراية . وأكثر استعمالها في الحديث الباطل ، والخوض توحي بالتخبط والمشي في أماكن مجهولة لا تدري ما يقابلك فيها من أخطار ، فتكون أنت الجاني على نفسك . إذن : لا بدَّ أن تتحسَّس قبل أنْ تخوضَ ، واحذر الخوض في الباطل . وقوله : { وَيَلْعَبُواْ } [ الزخرف : 83 ] لأني أمرتهم أنْ يجدُّوا في الحياة ، فإذا هم يلعبون فيها ، فالجدّ يقابله اللهو واللعب ، والفرْق بين اللهو واللعب أن اللعب أنْ تعمل شيئاً لا فائدةَ منه إلا التسلية ، وهذا قبل أوان التكليف ، فإذا كان مُكلَّفاً وفعل ما لا فائدةَ منه فهو لهو . ومنه قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } [ الجمعة : 11 ] إذن : اللهو أنْ تنشغلَ بلعب لا يفيد عن واجب طُلِبَ منك . وقوله تعالى : { حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } [ الزخرف : 83 ] إذن : أوعدهم الله بهذا اليوم ولم يتركهم هملاً ولم يخلقهم عبثاً ، بل بيَّن لهم الحق والباطل ، ووعدهم الجزاء كلٌّ بما يستحق ، فالفعل { يُوعَدُونَ } [ الزخرف : 83 ] من أوعد من الوعيد ، وهو الإنذار بالشر قبل أوانه لتتجنبه . وهناك وَعَد من الوعْد ، والوعد لا يكون إلا بالخير . إذن : الذين يدخلون النار لم يظلمهم اللهُ ولم يأخذهم على غِرَّة ، بل أوعدهم وحذرهم من هذا المصير . والقرآن مليء بالوعد والوعيد ، واقرأ : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } [ الليل : 5 - 10 ] . فالحق سبحانه وتعالى قدَّم لعبده الخير في وعده وفي وعيده ، نعم حتى الوعيد فيه خير لأن الذي يحذرك من الشر قبل أنْ تقع فيه يُسدي لك جميلاً يستحق عليه الشكر . وفي ضوء ذلك فهمنا قوله تعالى وهو يُعدِّد نعمه علينا في سورة الرحمن { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 35 - 36 ] فهل النار والشواظ والنحاس يمكن أن يكون في عداد نعم الله ؟ نعم هي نعمة من الله لأنه يحذرك من أسباب الوقوع فيها ويبعدك عنها . فالآية إذن { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } [ الزخرف : 83 ] دعوة لرسول الله أنْ يُهوِّن الأمر على نفسه ولا يشقّ عليها بسبب عناد قومه وتماديهم في ضلالهم . فالحق سبحانه يُسلِّي رسوله ويُخفف عنه ، كما خاطبه في آيات كثيرة بهذا المعنى مثل قوله سبحانه : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [ فاطر : 8 ] .