Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 88-89)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كلمة قِيلِه مصدر لقال ، نقول : قال قولاً ومقالاً وقيلاً ، فمعنى قيله يعني قوله ، قول مَنْ ؟ قول سيدنا رسول الله يخاطب ربه { يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ } [ الزخرف : 88 ] كفار مكة { قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [ الزخرف : 88 ] . لاحظ أنه صلى الله عليه وسلم أُوذِي من هؤلاء القوم في نفسه إيذاءاً وفي معنوياته برميه بما ليس فيه من السحر والشعر ، والكهانة والجنون ، وفي أهله ، ولاقى منهم الأمرَّيْن ، ومع ذلك لم يذكر شيئاً عن هذا كله ، وكل ما اهتم به هو مسألة إيمان القوم ، فلم يقُلْ : يا رب إن قومي آذوني وفعلوا كذا وكذا ، إنما قال { يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [ الزخرف : 88 ] . هذا الذي حَزَّ في نفسه وأغضبه صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قطّ ولا غضب لنفسه قط ، إنما كانت غَيْرته وغضبه لله وللحق الذي جاء به ودعا الناس إليه . هذا المعنى الذي عبَّر عنه أحمد شوقي في قوله : @ فَإذَا غَضبْتَ فَإنما هِيَ غَضْبَةٌ لِلحقِّ لاَ ضِغْنَ ولاَ شَحْنَاء @@ ومعنى الواو في أول الآية وَقِيله هذه الواو بمعنى القسم ، فكأن الحق سبحانه يقسم بقول رسول الله { يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [ الزخرف : 88 ] يقول : وبحق هذا القول . وجواب القسم هنا محذوف للعلم به ، أي : لأُعذبنهم عذاباً يشفى صدرك منهم ، فلا تهتم بعدم إيمانهم ولو شئت لأرغمتهم على الإيمان ولخلقتهم على هيئة الملائكة ، وكُلُّ ما عليك يا محمد أنْ تصفح عنهم . { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ } [ الزخرف : 89 ] لأن الصفح عنهم سيجذبهم إلى ساحة الإيمان بك ، وسوف يكون من هؤلاء جند من جنود الإسلام ، وبالفعل رأينا خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وعمرو بن العاص وغيرهم من صناديد الكفر يصيرون قادةً في صفوف المسلمين . وفي آية أخرى قال سبحانه : { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } [ الحجر : 85 ] لأنك قد تصفح عَمَّنْ أساء إليك ، لكن يبقى عندك شيء من الغيظ والغضب أو الحقد عليه ، أما الصفح الجميل فهو الصفح الذي يصاحبه تسامح يقتلع كلَّ جذور الغضب والغيظ والحقد . وكأن الحق سبحانه يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم : اصفح عنهم صَفْحاً جميلاً ولا تغضب ، لأن غضبك يؤثر فيك ويؤثر في تكوينك ووراءك رَبٌّ يغضب لك فلا تغضب أنت ، وهذا أدب عَالٍ يُعلِّمنا إياه الإسلام . معلوم أن الشارع الحكيم لا يحاسبك على خواطر نفسك وخلجات صدرك طالما لم تُترجم إلى عمل ونزوع ، وبعد ذلك يسمو بك فيدعوك إلى التخلّص من مجود هذه الخواطر إنْ كانت خواطر شَرٍّ تجاه الآخرين . وهذه مراحل تعلّمناها من قوله تعالى : { وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ آل عمران : 134 ] فالمرحلة الأولى كظم الغيظ ، والثانية العفو ، وفي هذه المرحلة تتخلص من كلِّ خواطر الشر في نفسك ، بحيث تراها صافية ليس فيها بقايا من غيظ أو كُرْه أو حقد . ثم المرحلة الأخيرة وهي أنْ تُحسن لمَنْ أساء إليك ، وهذه مرحلة الخواصّ الذين عرفوا سماحة الشرع ونظروا إلى ما عند الله . كثير من الناس يتعجَّبون من مسألة أنْ تُحسن إلى مَنْ أساء إليك ، كيف يلزمنا بها الشرع . نقول : هَبْ أن أحد أولادك ضرب الآخر ، وجاء المضروب يبكي ويشتكي ، فإلى مَنْ تَحِنُّ وعلى مَنْ تعطف ؟ على الضارب أم على المضروب ، كذلك الحق سبحانه يكون في جانب الضعيف المتسامح الذي يُحسن إلى مَنْ أساء إليه . والحسن البصري رضي الله عنه بلغه أن رجلاً شتمه فأرسل إليه هدية طبقاً من الرُّطَب ، فلما سُئِل عن ذلك قال : لأنه أهدى إليَّ حسناته . وقوله : { وَقُلْ سَلاَمٌ } [ الزخرف : 89 ] والتقدير : قُلْ لهم سلام عليكم . ونفهم من هذا أن كلمة سلام هكذا بدون عليك وحدها تُقال لمَنْ كان بينك وبينه خصومة وتريد أنْ تفارقه ، ونجن نقولها في واقع حياتنا حينما تختلف مع شخص آخر ولا تصل معه إلى حَلٍّ تقول له سلام ، لذلك سيدنا إبراهيم في جداله مع أبيه قال له : { سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ } [ مريم : 47 ] أي : سلام وَدَاع ومفارقة لا سلامَ تحية . وقوله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ الزخرف : 89 ] يعني : لما تفعل هذا سوف يعلمون عاقبةَ ما قُلته ، وسوف يعلمون كيف أُعاقبهم على تكذيبهم لك .