Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 9-10)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق سبحانه يريد أنْ يُبيِّن لهم أنهم يُكذِّبون رسول الله ، ويُصادمون دعوته استكباراً وعناداً ، ولا يعتمدون في ذلك على منطق العقل والحكمة ، ويأخذ هذه الحقيقة ويُثبتها من لسانهم هم : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } [ الزخرف : 9 ] . وفي موضع آخر : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ … } [ الزخرف : 87 ] فهذه حقيقة لا ينكرونها ويعترفون بها ، لأن مسألة الخَلْق هذه لم يدَّعِها أحدٌ لنفسه ولم يقُمْ لها منازع . أولاً عجيبٌ منهم أنْ يؤمنوا بأن الله هو الخالق ، وأنه عزيز وعليم ، ومع ذلك يقفون من رسول الله هذا الموقف المعاند ، ثم لماذا لم يقولوا مثلاً خلقهنَّ الله لأنه ليس له منازع ، ووصفوا الحق سبحانه بالعزيز العليم ؟ قالوا : لأنهم اتبعوا مناهج آبائهم وظنوا أنها الأحسن ، فقالوا : { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ … } [ البقرة : 170 ] فصدَّهم هذا عن اتباع الحق . ومعنى { ٱلْعَزِيزُ } [ الزخرف : 9 ] أي : الغالب الذي لا يُغلب ، فهم إذن ردُّوا على أنفسهم ، فهم مهما عملوا فلابدَّ أنْ يُغلبوا . وقولهم في وَصْف الحق سبحانه : { ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } [ الزخرف : 9 ] من باب أن المتكلم يمكن أنْ يزيد من عنده ما لم يُلْقَ إليه ، كما لو أنك أرسلتَ شخصاً برسالة وقلتَ له : اذهب إلى فلان . هكذا بدون ألقاب وبدون أوصاف - وقُلْ له كذا وكذا . فحين يذهب الرسول يقول : والله فلان قال لي اذهب إلى الشيخ فلان ، أو الأستاذ فلان ، وقُلْ له كذا وكذا فيزيد الوصف من عند نفسه ، كذلك هؤلاء يقولون { خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } [ الزخرف : 9 ] لأنهم يعلمون أن الله تعالى عزيز وعليم . ثم أراد سبحانه أنْ يُبيِّن لهم قدرته وعلمه ، فقال : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً … } [ الزخرف : 10 ] والمهد في الأصل هو الفراش الممهَّد الذي يستريح فيه الطفل جُلُوساً أو نوماً ، ومنه نقول طريق مُمهَّد يعني : مُعد ومُسوَّى بحيث يريح مَنْ يمشي عليه . فالحق يُشبِّهنا بالأطفال ، والطفل لا يستطيع أنْ يُمهِّد لنفسه ، فلولا أن الله مهَّد لنا الأرض ما قدرنا نحن على تمهيدها . { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً … } [ الزخرف : 10 ] يعني : طرقاً تسلكونها وتنتقلون عليها من مكان لآخر ، لأن مصالح الخَلْق تقتضي الانتقال من مكان إقامتهم إلى أماكن مصالحهم { لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ الزخرف : 10 ] أي : في سيركم إلى مصالحكم وأغراضكم . الحق سبحانه حين يمتنُّ عليهم ببعض نِعَمه عليهم إنما ليُرقِّق قلوبهم ويستميلهم إلى ساحته ، لعلهم يهتدون إليه ويؤمنون به ويُصدِّقون برسوله .