Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 8-8)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق سبحانه وتعالى يريد منا أنْ تنسحب مقولتنا على أفعالنا ، كلمة { لاَ إِلَـٰهَ } [ الدخان : 8 ] الإله هو المعبود الحق ، لأنهم لما عبدوا الأصنام سمَّوْها آلهة ، نعم آلهة بزعمهم وفي تصورهم هم ، لكنها آلهة باطلة وتسمية باطلة ، لأن الإله هو المعبود بحقٍّ والذي له منهج ويقوم على ذلك الدليل . أما دعواهم فدعوى ليس لها دليل ، اللهم إلا أنها عبادةٌ تُرضي ما في نفوسهم من ميْل للتدين حتى لو كان المعبودُ صنماً لا تكاليفَ له ولا منهجَ عنده . فالتدين كما قلنا فطرة في الإنسان ، والواقع والتجربة تُثبت ذلك ، فلما تضيق الأسباب بالإنسان حتى الكافر يقول : يا رب ويلجأ إلى المعبود الحق ولا يخدع نفسه ، لأن الشدة التي نزلت به يعرف أنها لا كاشفَ لها إلا الله . لذلك لم يقُلْ أحدٌ يا لات ولا يا عزى ، لكن للأسف حين يكشف الله عنهم ويُفرج كربهم يعودون إلى ما كانوا عليه ، وكثيراً ما تحدَّث القرآن حول هذا المعنى ، قال تعالى : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ يونس : 12 ] . ويغيب عن أذهان الناس أن الدين عندما يُقيد حركتك فيما لا يجوز وأنت فرد يُقيد حركة الناس جميعاً من أجلك . فقال لك : لا تسرق من الناس . وقال للناس جميعاً أن لا يسرقوا منك . إذن : أنت المستفيد الأول من تطبيق منهج الله . وبعد أن قال : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } [ الدخان : 8 ] أتى بالدليل عليها { يُحْيِـي وَيُمِيتُ … } [ الدخان : 8 ] لأن مسألة الإحياء والإماتة لله وحده لا منازع له فيها ، والذين يتمتعون بالحياة لا يعكر عليهم صفو هذه المتعة إلا أنهم يروْنَ الموت حولهم يحوم ويوشك أنْ يصيبهم . إذن : الحق سبحانه وتعالى أتى هنا في الشيء الذي يحبه ، فالذي يملك حياتك ويملك موتك هو الله ، فلا يليق بك أنْ تغفلَ عنه ، أو أنْ تنصرفَ عن منهجه وسبيله إلى سبيل غيره . وقوله { يُحْيِـي وَيُمِيتُ … } [ الدخان : 8 ] واقع بالفعل على الغير وإنْ كان من صفاته أنه حَيٌّ قيوم ، كما في آية الكرسي : { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ … } [ البقرة : 255 ] والبعض يقول : الحي اسم الله الأعظم لأنه أصْلٌ ، وكل صفة أخرى أو اسم آخر فرع منه . قالوا : الحي هو الاسم الأعظم في العطاء ، والله الاسم الأعظم في العبودية ، لأن معنى كلمة الله المعبود المطاع في كُلِّ أوامره . وما دام مطاعاً في كل أوامره . إذن : أنت عندما تسأل الله تقول : بسم الله ، يعني : بسم الله أقبل على هذا العمل ، لأن العمل يحتاج إلى طاقة ، ويحتاج إلى عقل يفكر قبل أنْ تشرعَ في العمل ، ويحتاج إلى حكمة . وهذه الأشياء ممَّن تستمدها ؟ من الله ، لأنه وحده الذي يجمع كلَّ صفات الكمال ويفيض عليك من صفاته فوجبَ الاستعانة به والتوكل عليه ، فالذي قال : إن الاسم الأعظم الحي نظر إلى العطاء ، والذي قال الله نظر إلى التكليف . وقوله سبحانه : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الدخان : 8 ] أراد سبحانه أنْ يجادل الكفار المعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم قالوا : { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] فأراد أنْ يُبيِّن كذبهم في هذه المقولة ، فلو أنهم مقتدون فعلاً بالآباء لسَاروا على منهج آدم عليه السلام ، لكنهم شذُّوا عنه وانحرفوا عن هديه حتى تغيَّر منطق الدين ، وتعددتْ رسُل الله لهدايتهم .