Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 30-30)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ما دمنا بصدد الحديث عن كتاب الأعمال الذي يقرأه الإنسان ، فهذه الآية تتحدث عن النوع الاول وهو المؤمن الذي عمل صالحاً ، فأخذ كتابه بيمينه ووجده على أحسن صورة ففرح به وتباهى . فهذه الآية أوضحها الحق سبحانه في آية أخرى : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } [ الحاقة : 19 - 24 ] . وتأمل هنا كلمة { فِي رَحْمَتِهِ … } [ الجاثية : 30 ] فكأن الرحمة ظرف لهم يُدخلهم فيه ويعمُّهم به ، فالرحمة تغمرهم وتحيط بهم من كلِّ جانب ، فليس لهم هنا إلا الرحمة لأنهم شَقُوا في الدنيا وتحمَّلوا أعباء العبادة والعمل الصالح وتقلَّبوا بين نعمة وشقاء ، ومكسب وخسارة ، وصحة ومرض ، أما هنا فلن يجدوا إلا رحمة الله تعمُّهم وتشملهم . وكلمة { آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } [ الجاثية : 30 ] دلتْ على أن الإيمان القلبي وحده لا يكفي ، بل لا بدَّ له من ثمرة ، وثمرة الإيمان وفائدته أنْ توظفه لخدمة امن آمنتَ به . لذلك دائماً يقرن القرآن بين الإيمان والعمل الصالح ، كما في قوله تعالى : { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } [ العصر : 1 - 3 ] لأن الإيمان بالله وبالبعث والحساب والقضاء والقدر يجعل الإنسان على يقين من أنه محاسبٌ مسئول عن كلِّ تقصير . وما دام أنك ستُسأل فلا بدَّ أنْ تكون يقظاً لا تستهين بالذنب مهما كان صغيراً ، ولا تزهد في الخير مهما كان يسيراً ، فمَنْ كانت نهايته الحساب كان جديراً ألاَّ تُفلتَ منه هذه المسائل إلا سَهْواً أو نسياناً ، فالسهو والنسيان يجبرهما الاستغفار والتوبة . وقلنا : من رحمة الحق بالخلْق أنْ شرع لهم التوبة مجرد مشروعية التوبة ، وفَتْح بابها للناس رحمة ، رحمةٌ بالمقصِّر المذنب ، ورحمة بالمجتمع الذي يَشْقى بذنوب المذنبين . وقوله سبحانه : { ذَلِكَ … } [ لجاثية : 30 ] إشارة إلى دخول أهل الإيمان والعمل الصالح في رحمته { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } [ الجاثية : 30 ] الواضح المحيط بالنفع الكامل ، بحيث لا يتسرب إليه شيء يناقض الحق في الرحمة . ثم في المقابل : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ … } .