Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 19-19)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ورسولنا هو محمد صلى الله عليه وسلم ويبين لكم - يا أهل الكتاب - ما اختلفتم فيه أولاً وما يجب أن تلتقوا عليه ثانياً ، وما زاده الإسلام من منهج فإنّما جاء به ليناسب أقضية الحياة التي يواجهها إلى أن تقوم الساعة . وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل ، ومعنى الفترة : الانقطاع . وفترة من الرسل أي على زمن انقطعت فيه الرسالات ، وهي الفترة التي بينه صلى الله عليه وسلم وبين أخيه عيسى عليه السلام ، وقام الناس بحسابها فقال بعضهم : إنها ستمائة سنة وقال البعض : خمسمائة وستون سنة عاماً . ولا يهمنا عدد السنين ، إنما الذي يهمنا هو وجود فترة انقطعت فيها الرسل ، اللهم إلا ما كان من قول الحق سبحانه : { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ * قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ * قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } [ يس : 13 - 16 ] هؤلاء المرسلون أهم مرسلون من قبل الله بين عيسى وبين محمد صلى الله عليه وسلم ؟ . أم هم مرسلون من قبل عيسى عليه السلام إلى أهل أنطاكية ؟ . وقد كفر الناس أولاً بهذين الرسولين ، فعززهم الحق بثالث . وقال الناس لهم : { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } [ يس : 15 ] وهنا قال الرسل : { قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } [ يس : 16 ] فما الفرق بين { إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } وبين { رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } ؟ . إن الأَخْبار دائماً تُلقى من المتكلم للسامع لتعطيه خبراً ، فإن كان السامع خالي الذهن من الخبر ، أُلقي إليه الكلام بدون تأكيد . وأما إن كان عنده شبه إنكار ، ألقى إليه الكلام بتأكيد على قدر إنكاره . فإن زاد في لجاج الإنكار يزيد له التأكيد . فأصحاب القرية أرسل الله إليهم اثنين فكذبوهما ، فعززهما بثالث ، وهذا تعزيز رسالي ، فبعد أن كانا رسولين زادهما الله ثالثاً ، وقال الثلاثة : { إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } [ يس : 14 ] صحيح ثمة تأكيد هنا . لأن الجملة إسمية ، وسبقتها " إنّ " المؤكدة فلما كذبوهم وقالوا لهم : { مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ } وكان هذا لجاجاً منهم في الإنكار فماذا يكون موقف الرسل ؟ أيقولون : { إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } كما قيل أولاً ؟ . لا . إن الإنكار هنا ممعن في اللجاجة والشدة ، فيأتي الحق بتأكيد أقوى على ألسنة الرسل : { رَبُّنَا يَعْلَمُ } . وذلك القول في حكم القسم هذا هو التأكيد الأول ، والتأكيد الثاني : { إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } . وكما نعلم فـ " إن " هنا مؤكِدّة ، واللام التي في أول قوله : " لمرسلون " لزيادة التأكيد . وحين تأتي كلمة تدور على معانٍ متعددة ، فالمعنى الجامع هو المعنى الأصلي ، وكذلك كلمة " فترة " ، فالفترة هي الانقطاع . فإن قلت مثلاً : ماء فاتر ، أي ماء انقطعت برودته ، فالماء مشروط فيه البرودة حتى يروي العطش . وعندما يقال : ماء فاتر أي ماء فتر عن برودته ، ولذلك يكون قولنا : " ماء فاتر " أي ماء دافئ قليلاً أي ماء انقطعت عنه البرودة المرغبة فيه . ويقال أيضاً في وصف المرأة : في جفنها فتور أي أنها تغض الطرف ولا تحملق بعينيها باجتراء . بل منخفضة النظرة . إذن فالفترة هي الانقطاع . ولقد انقطعت مدة من الزمن وَخَلَتْ من الوحي ومن الرسل . وكان مقتضى هذا أن يطول عهد الغفلة ، ويطول عهد انطماس المنهج ، ويعيش أهل الخير في ظمأ وشوق لمجيء منهج جديد ، فكان من الواجب - مادام قد جاء رسول - أن يرهف الناس آذانهم لما جاء به ، فيوضح الحق أنه أرسل رسولاً جاء على فترة ، فإن كنتم أهل خير فمن الواجب أن تلتمسوا ما جاء به من منهج ، وأن ترهفوا آذانكم إلى ما يجيء به الرسول صلى الله عليه وسلم لسماع مهمته ورسالته . وقد أرسل الله إليهم الرسول على فترة حتى يقطع عنهم الحجة والعذر فلا يقولوا : { مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ } فقد جاءهم - إذن - بشير وجاءهم نذير . والبشير هو المعلم أو المخبر بخير يأتي زمانه بعد الإخبار . ومادام القادم بشيراً فهو يشجع الناس على أن يرغبوا في منهج الله ليأخذوا الخير . ولا بد من وجود فترة زمنية يمارس فيها الناس المنهج ، ولا بد أيضاً أن توجد فترة ليمارس من لم يأخذ المنهج كل ما هو خارج عن المنهج ليأتي لهم الشر . مثال ذلك قول الأستاذ : بَشِّرْ الذي يذاكر بأنه ينجح . وعند ذلك يذاكر من الطلاب من يرغب في النجاح ، أي لابد من وجود فترة حتى يحقق ما يوصله إلى ما يبشر به . وكذلك النذارة لا بد لها من فترة حتى يتجنب الإنسان ما يأتي بالشر . { قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } . ومجيء " أن تقولوا " إيضاح بأنه لا توجد فرصة للتعلل بقول " { مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ } . ويقول الحق : { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وسبحانه وتعالى القدير أبداً . فقد جعل الخلق يطرأون على كون منظم بحكمة وبكل وسائل الخير والحياة على أحسن نظام قبل أن يطرأ هؤلاء الخلق على هذا الكون ، فإذا ما طرأ الخلق على هذا الخير ، أيتركهم الخالق بدون هداية ؟ . لا . فسبحانه قد قدر على أن يُوجد خلقه كلهم ، ويعطي لهم ما يحفظ لهم حياتهم ويحفظ لهم نوعهم . ألا يعطي الحق الخلق إذن ما يحفظ لهم قيمهم ؟ . إنه قادر على أن يعطي رزق القوت ورزق المبادئ والقيم وأن يوفي خلقه رزقهم في كل عطاء . وإرسال الرسل من جملة عطاءات الحق لعلاج القيم . ثم يرجع ثانية إلى قوم موسى ولكنه في هذه المرة يجعل المتكلم رسولهم : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ … } .