Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 65-65)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا القول يدل على أن أهل الكتاب جميعاً في غير حظيرة الإيمان ، والحق يوضح لهم : إن فسادهم كان سابقاً على ظهور الإسلام ، ولهذا جاء الإسلام ليخرج الناس من فسادكم أنتم . لقد كان لكم منهج من الله ولكنكم حرّفتموه ، وإن لكم رسلاً أرسلهم الله إليكم ولكنكم أسأتم إليهم ، وطقوساً دينية ابتدعتموها . وجاء الإسلام لا ليهدي الملاحدة فقط ، ولكن ليهدي أيضاً الذين أضلهم أرباب أهل الكتاب . وكانوا من بعد الإسلام يحاربون الإسلام بالاستشراق ، وكانوا يؤلفون الكتب ليطعنوا الإسلام . لكنهم وجدوا أن الناس تنصرف عنهم لذلك جاءوا بمن يمدح الإسلام ويدس في أثناء المديح ما يفسد به عقيدة المسلمين . إننا نجد بعضاً من المؤلفات تتحدث عن عظمة الإسلام تأتي من الغرب ، ولكنهم يحاولون الطعن من باب خفي كأن يقولوا : إن محمداً عبقري نادر في تاريخ البشرية ويبنون كل القول على أساس أن ما جاء به محمد هو من باب العبقرية البشرية ، لا من باب الرسالة والنبوة . ونجد مثالاً على ذلك رجلاً أوروبياً يؤلف كتاباً عن مائة عظيم في العالم ويضع محمداً صلى الله عليه وسلم على رأسهم جميعاً . ونقول له : شكراً : ولكن لماذا لم تؤمن أنت برسالة محمد بن عبد الله ؟ إن شهادتهم لنا لا تهمنا في كثير أو في قليل . لقد هاجمونا من قبل بشكل علني . ويحاولون الآن الهجوم علينا بشكل مستتر . وهم أخذوا بعضاً من أبناء البلاد الإسلامية ليربوهم في مدارس الغرب وجامعاته من أجل أن يجعلوا من هؤلاء الشباب دعاة لقضاياهم في إفساد المسلمين ، ولم ينجحوا إلا مع القليل لذلك نقول لشبابنا : احذروا أن تكونوا المفسدين وتدعوا أنكم المصلحون ، فلا تأخذوا المسألة بالطلاء الخارجي ولكن انظروا إلى عمق القضايا ، وتذكروا قول الحق : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [ الكهف : 103 - 104 ] . علينا أن نرقب كل فساد في الكون ، وسنجد أن لأصابع أعداء الإسلام أثراً واضحاً . لقد كان من اجتراء الصهيونية إلى حد الوقاحة أن تقول : ليطمئن شعب الله المختار ، فثمانون في المائة من وسائل الإعلام في العالم خاضعة لإرادتنا ولا يمكن أن يُعلم فيها إلا ما نحب أن يُعْلَم . والحق سبحانه وتعالى عندما يقول : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ آمَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [ المائدة : 65 ] . فسبحانه وتعالى بهذه الآية يقدم الفرصة لهؤلاء الناس حتى يدخلوا إلى حظيرة الإيمان ويستغفروا الله عن خطاياهم الماضية وليبدأوا حياة جيدة على نقاء وصفاء بدلاً من التحريف والتضليل . وليعرفوا معرفة حقة قوله تعالى في رسوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] . هذا القول يجب أن يتهافت إليه غير المسلمين مع المسلمين ليأخذوا من ينبوع الرحمة ، وفي ذلك تصفية عقدية شاملة تتيح لكل إنسان أن يبدأ طريق إصلاح نفسه . وقوله الحق : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ آمَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ } إنما يدعوهم إلى الإيمان ، والتقوى . والإيمان محله القلب ، أي أن يستقر في القلب الاعتقادُ بوجود إله أعلى ، ونؤمن بالبلاغ عن الإله الأعلى بواسطة الرسل ، وأن نؤمن بالرسل وبالمناهج التي جاءوا بها ، وأن نتبع هذه المناهج ، وأن نؤمن بأن المرجع إلى الله ، هذا الإيمان ينعكس على الحركة الإيمانية في الأرض ، ويحقق الإيمانُ مع التقوى اتجاهَ الإنسان إلى الصالح من العمل . وأن يبتعد عن غير الصالح من العمل اتباعاً لقول الحق : { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [ العصر : 1 - 3 ] . ولذلك نجد قولاً لأحد العلماء الصالحين من العرب هو : إن الإيمان كالْعُمُد والأعمال كالأطناب . وعرف أن كل بيت له أساس من الأعمدة ، وله أوتاد تثبته . والخيمة العربية هي بيت من القماش السميك على عمود من الخشب وتشد الخيمة إلى الأوتاد بحبال ، وهذه الحبال هي الأطناب ولا تقوم الخيمة إلا إذا ربطت بأحبال وشدت إلى أوتاد . وكان العربي يفك هذه الخيمة ، ويحملها على ظهر بعيره لينصبها في أي مكان . وكان العربي يختار القماش الذي إن نزل عليه المطر ، يمتص الماء ويمنع سقوطه داخل الخيمة . إذن فالإيمان عمود ، والأعمال أطناب ، وهكذا تكون دعوة الحق لأهل الكتاب حتى يؤمنوا ويتقوا الله حتى يكفر عنهم سئياتهم ، والكفر - كما نعرف - هو الستر والتغطية والعفو هو محو الأثر ، كأن الحق سيغطي على سيئاتهم ثم يمحو أثرها وذلك بأن يعفو عنها لأن الإسلام إنما جاء رحمة يجب أن تستغل ليكفر الحق عن سيئاتهم التي ضللوا بها شعوبهم . لقد كان من الواجب عليهم أن يعرفوا أن مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو فرصة للتراجع عن الكفر والبهتان . وقد جاء صلى الله عليه وسلم ليقيم تصفية عقدية في الكون ، فالملحد يجب عليه أن يتعرف على خالق الوجود ويؤمن به ، والمبدل لمنهج الله ينبغي أن يعود إلى منهج الله . وتلك هي التصفية العقدية الشاملة . ويقول الحق من بعد ذلك : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ … } .