Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 99-99)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الرسول هو المبعوث من المرسِل الحق سبحانه إلينا نحن العباد . والحق سبحانه هو الفاعل الأول ، المطلق الذي لا فاعل يزاحمه ، والمفعول الأول بالرسالة هو الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمفعول الثاني هو نحن . وهناك في النحو المفعول معه ، وهناك أيضاً المفعول له ، والمفعول فيه ، والمفعول به ، وأيضاً يوجد المفعول إليه والمثال على المفعول إليه قوله تعالى : { تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } [ النحل : 63 ] . وفيه أيضا المفعول منه . والمثال على المفعول منه هو قوله الحق : { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا } [ الأعراف : 155 ] . و " قومه " هي مفعول منه . لأنه اختار من قومه سبعين رجلا ممن لم يعبدوا العجل ليعتذروا عمن عبد العجل ويسألوا الله أن يكشف عنهم البلاء . إن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم هي البلاغ ما على الرسول إلا البلاغ ، أما تنفيذ البلاغ فهو دور المؤمنين برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن أدوْها فلهم الجنة ، وإن لم يؤدُّوها فعليهم العقاب . وأراد الحق أن يكون البلاغ من رسوله مصحوبا بالأسوة السلوكية منه صلى الله عليه وسلم ، فالرسول يبلغ وينفذ أمامنا ما بلغ به حتى نتبعه ، ولذلك قال الحق : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب : 21 ] . وهذا ما ينقض ادعاء الألوهية لبشر . فلو كان هناك إله رسول لقال الناس : كيف نتبع هذا الرسول وله من الصفات والخصائص ما يختلف عنا نحن البشر ؟ إن الرسول لا يستقيم ولا يصح أن يكون إلها لأنه هو الأسوة والقدوة للمرسل إليهم . إنه يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويفعل غير ذلك من الأفعال ، ويأمر من أرسل إليهم أن يتبعوه فيما يفعل ، فلو كان إلها فإن المرسَل إليهم - وهم البشر - لا يقدرون على أن يفعلوا مثل ما يفعل لأنه إله وطبيعته تختلف عن طبيعتم ولذلك لا يستطيعون التأسي والاقتداء به ، فالأسوة لا تتأتى إلا إذا كان الرسول من جنس المرسل إليهم … أي يكون بشراً بكل أغيار البشر . والحق سبحانه قال : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] . أي أن البشر تساءلوا - جهلاً - عما يمنع الله - سبحانه - أن يرسل لهم رسولاً من غير جنس البشر ، ولماذا أرسل لهم رسولاً من جنسهم البشري ؟ وهنا يأتي الأمر من الله سبحانه : { قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } [ الإسراء : 95 ] . وبهذا يبلغ الحق رسله ضرورة إبلاغ الناس أن الرسول لهم لا بد من أن يكون من جنس البشر لأن الملائكة لا يمشون مطمئنين في الأرض ، ولو جاء الرسل من الملائكة لقال البشر : لن نستطيع اتباع ما جاء به الملائكة لأنهم لا يصلحون أسوة لنا لأنهم من جنس آخر غير جنس البشر ، ثم إن الملائكة من خلق الغيب ، فكيف يبعث الله للبشر هذا الغيب ليكون رسولاً ؟ ولو حدث ذلك فلا بد أن يجعله الحق في صورة بشرية . ففي آية أخرى يقول الحق : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [ الأنعام : 9 ] . إنهم طلبوا أن ينزل الله عليهم ملكاً ، ولو استجاب الله لهم وأرسل رسوله ملكاً لتجسد المَلَك في صورة بشرية ، وهم من بعد ذلك قد يستمرون على الكفر ويعاندون ولا يؤمنون ، عندئذ يحق عليهم عذاب الله ويهلكهم . إذن فمهمة الرسول هي البلاغ ولنا فيه الأسوة . وتتابع الآية : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } كأنه سبحانه وتعالى يحذرنا من أن نأخذ شكل الإيمان دون أن نؤمن حقيقة لأن الأمر الشكلي قد يجوز على أجناس البشر أن ينخدعوا فيه ، ولكن الله ينظر إلينا بقيوميته ، فسبحانه لا تأخذه سنة ولا نوم . وفي هذا القول تحدّ للمنافقين من أنه سبحانه سيحاسبهم ، فإن كتم الإنسان الكفر في قلبه وأظهر الإيمان الشكلي ، فسوف ينال عقاب الله ، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه جماعة المؤمنين أن يحكموا على ظاهر الأمر وأن يتركوا السرائر لله . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن أن يحكم بكفر إنسان أعلن الإيمان ولو نفاقاً . وقد أبلغنا صلى الله عليه وسلم أنه بشر ، وعرف أن البشرية محدودة القدرة . ولذلك قال : " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار ليأخذها أو ليتركها " . هكذا يحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نظن فيه قدرة فوق قدرة البشر " وعندما قتل صحابي رجلاً أعلن الإيمان قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هلا شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه " إذن فنحن لنا الظاهر ، أما السرائر فأمرها موكول إلى الله . ولذلك يقول الله : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } . ونعلم أن ظاهرة النفاق تعطي للمنافق حقوق المسلم الظاهرة الموقوتة بحياته وزمنه ، ولكن الباقي في الحياة الأخرى طويل ينال فيه جزاء ما أبطن من كفر . والكتمان غير الإخفاء . فكتم الشيء يعني أن الشيء ظاهر الوضوح ولكن صاحبه يكتمه ، أما الإخفاء فهو ما يدور بالخواطر ، ويمكن أن يخفيه الإنسان ، ولكنه مع مرور الوقت لا يستطيع ذلك ، فالشاعر العربي يقول : @ ومهْما تكُنْ عندَ امرىء من خليقةٍ وإن خالها ، تخْفى على الناس تُعْلَم @@ ويقال : يكاد المريب أن يقول خذوني . ومادام الحق يعلم كُلّ ما يبدي البشر وكل ما يكتمون ، وهو شديد العقاب ، وغفور ورحيم ، ويجازي على الحسنة بعشر أمثالها ، ويجازي على السيئة بمثلها ، فماذا علينا أن نفعل ؟ يأتينا القول الفصل في أمر الله لرسوله أن يخبرنا : { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ … } .