Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 23-26)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى { قَرِينُهُ … } [ ق : 23 ] أي : الملك المقارن والملازم له عن يمينه وعن شماله يُسجِّل عليه كل أعماله وكل نَفَس من أنفاسه ، يأتي ويقول : { هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } [ ق : 23 ] هذا ما عندي لهذا العبد ، وهذا ما سجلته عليه جاهز ومُعد . كما نرى مثلاً رجل البوليس حينما يُقدِّم تقريراً للنيابة يقدم فيه الأدلة ويقول : هذا ما عندي وقد انتهت مهمتي وعلى النيابة الحكم في المسألة . وقوله تعالى : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } [ ق : 24 ] هذا أمر من الحق سبحانه وتعالى لكل من السائق والشهيد أنْ يُلقيا في جهنم كلَّ كفار شديد الكفر متمكن فيه . والكفر إما كفر للنعمة كما حدث من أهل سبأ ، فقال الله فيهم : { ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ … } [ سبأ : 17 ] أي : كفروا نعمة الله ، أو كفر المنعم سبحانه وهو كفر الألوهية . وكلمة { كَفَّارٍ … } [ ق : 24 ] صيغة مبالغة من كافر ، أي كفر مرة واحدة إنما كفار يعني يتكرر منه الكفر ، لذلك وصفه بعدها بأنه { عَنِيدٍ } [ ق : 24 ] أي : عنيد في كفره مُصرٌّ عليه مُتمادٍ فيه . والكفر في اللغة هو السَّتْر ، وكفر النعمة يأتي على قسيمن : ستر النعمة في مكانها ، بمعنى أنهم لم يذهبوا إليها بجهد العمل والسعي والاستنباط ، أو أنهم جمعوها وأتوا بها في جيوبهم ثم بخلوا بها على المحتاجين . كذلك كلمة { عَنِيدٍ } [ ق : 24 ] فيها مبالغة نقول معاند وعنيد ، فالعنيد هو الذي يعاند كلما دعوْتَه للحق ويُصر على موقفه ، ولا شكَّ أن دعوة الرسول للناس بأنْ يؤمنوا تتكرر دائماً ، لكن العنيد يعاند ولا يقبلها ولا يهتدي ، ويتمادى مُتمسكاً برأيه ، لا يقبل حجة ولا يقبل نقاشاً . إذن : كفر بالنعمة وكفر بالمنعم . وقوله تعالى : { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ } [ ق : 25 ] هذا هو الوصف الثالث للكافر العنيد ، فبالإضافة إلى شدة كفره ، وعناده ، هو { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ … } [ ق : 25 ] ومناع أيضاً صيغة مبالغة من مانع ، فهو كثير المنع للخير يمنعه حتى عن نفسه بعد أنْ منعه عن الآخرين حين وقف في وجه الدعوة للإيمان ، وحين منع ماله ولم يعط المحتاجين . ثم هو بعد ذلك كله { مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ } [ ق : 25 ] فلم يكتف بمنع الخير ، بل تعدي على الخير عند غيره فأخذه دون وجه حق ، أخذه مرة بالسرقة ، ومرة بالرشوة ، ومرة بالخطف والغصب ، ومرة بالتدليس ، ومرة بالغش … إلخ . فهو إذن مُعتد بأيِّ وجه من وجوه التعدي ، وهو { مُّرِيبٍ } [ ق : 25 ] أي : شاكّ مُرتاب في هذا اليوم ، ولو كان مؤمناً به وبالحساب والجزاء ما فعل ذلك ، لو كان يؤمن بالمقابل لأعطى ولم يمنع . ومن صفاته أيضاً { ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ … } [ ق : 26 ] الخطأ هنا في القمة في مسألة الإيمان بالله ، والله يقول : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ … } [ النساء : 116 ] لذلك كان الجزاء { فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ } [ ق : 26 ] . إذن : عندنا نوعان من العذاب : عذاب مطلق لم يُوصف بأنه شديد في قوله تعالى : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ … } [ ق : 24 ] وهذا لمن عصى الله وارتكب من الكبائر ما دون الشرك بالله . ثم عذاب يُوصف بأنه شديد لمن أشرك بالله تعالى ، ذلك لأن مرتكب الكبيرة ينطق بلا إله إلا الله ، ويمكن أن يتوب لأن كلمة التوحيد لها أثر في حماية النفس حتى في العاصي . أما المشرك فلا ينطق بكلمة التوحيد ، وليس لها أثر في نفسه ، ولو أدخلنا هذا مع هذا لكانت كلمة التوحيد ليس لها معنى ولا أثر . والمغفرة في قوله : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ … } [ النساء : 116 ] قد تكون المغفرة مُعجَّلة له ونهائية وهو حي ، وذلك لمَنْ تاب وأناب وبدّل عمله السيء بالعمل الصالح . فيدخل تحت قوله تعالى : { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ … } [ الفرقان : 70 ] . وإما أنْ تُؤخر له المغفرة ، فيُعذَّب فترة في النار ، ثم تتداركه رحمة الله وتشمله بركة لا إله إلا الله ، فتُخرجه من النار كرامة لكلمة التوحيد .