Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 45-45)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وما دام أننا أعلم بهم وبما يقولون فدَع الجزاء لنا ، لأنك إنْ جازيتهم تُجازيهم على قدر قوتك ، ونحن نجازيهم على قدْر قوتنا ، ولن نرحمهم ولن يفلتوا من العقاب ، إذن : اترك لنا هذه المسألة فنحن أقدر على تأديبهم . { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ … } [ ق : 45 ] فمهمتك البلاغ فلا تتعب نفسك معهم ، ولا تكلف نفسك فوق طاقتها ، كما عاتب الحق سبحانه قوله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] . ومعنى { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ … } [ ق : 45 ] أي : تجبرهم على الإيمان ، لأني لو أردتُ ذلك لأجبرتهم على الإيمان كما أجبرت غيرهم ، إنما أنا أريدهم طواعية مختارين . { فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ … } [ ق : 45 ] فهذه مهمتك أنْ تُذكِّر الناس بهذا القرآن . ثم قيَّد التذكير هنا بقوله : { مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [ ق : 45 ] أي : يخاف وعيدي وإنذاري ، ولا يخاف الوعيد إلا مؤمن وعنده استعداد وقابلية للتلقِّي والاستجابة . وسبق أنْ أوضحنا الفرق بين الفعل والقابل للفعل ، فليس كل مَنْ يستمع القرآن سواء ، فمن الناس مَنْ يستمع ويثمر فيه السماع فيستجيب ، ومنهم مَنْ يستمع دون وعي ودون تأمل ، فكأنه لم يسمع شيئاً . لذلك قال تعالى في وصفهم : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً … } [ محمد : 16 ] . فهذا السماع عمل الجارحة فقط بلا قلب يستقبل ويعي { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى … } [ فصلت : 44 ] . إذن : فالقرآن واحد لكن المستقبل مختلف ، منهم مَنْ يستمع بقلب وَاعٍ ونفس صافية وذِهْن خالٍ من الضد ومن العقائد الفاسدة فيتأثر ويستجيب ، ومنهم مَنْ يستمع بقلب معاند وذهن مشغول بعقائد مخالفة تمنعه من الاستجابة . لذلك قلنا لمن يفاضل بين أمرين : ينبغي أنْ تُخرجَ الجميع من قلبك ، ثم تخلو من نفسك وتفكر وتبحث في الأمرين . قال تعالى : { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ … } [ سبأ : 46 ] فالتفكير الجماعي تفكير غير منظم ولا يصل إلى الصواب غالباً . تذكرون أننا قلنا في توضيح اختلاف الأثر للفعل الواحد أنك تنفخ في يدك في الشتاء للتدفئة وتنفخ في الشاي مثلاً لتبرده . فالحق سبحانه وتعالى هنا خَصَّ بالتذكير { مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [ ق : 45 ] لأنه صاحب القلب الواعي والذهن الخالي من المخالف الخالي من الغش ومن الضلال ، وهذا هو المستقبل الصحيح للقرآن .