Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 59-59)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
من أساليب القرآن أنْ يذكر المتقابلات ، فبعد أنْ تكلم عن المؤمنين يتكلم عن كفار مكة ، فهم المقصودون بقوله تعالى : { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ … } [ الذاريات : 59 ] ظلموا بتكذيبهم وعنادهم لرسول الله ووقوفهم في وجه الدعوة ، فاستحقوا أنْ يكون لهم { ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِم … } [ الذاريات : 59 ] أي : نصيب من العذاب مثل نصيب أصحابهم من المكذِّبين في الأمم السابقة عاد وثمود وفرعون . والذَّنوب هو الدلو الذي نُخرج به الماء من البئر ، والحبل الذي يُشدُّ به الدلو يسمى الرِّشَاء ، فإنْ كان الماء كثيراً خرج الدلو ثقيلاً بطيئاً ، لذلك قالوا : @ وأبطأ الدِّلاء فيضاً أملؤها وأثقل السحائب مشياً أحفلها @@ والشاعر العربي يُعبر عن هذا المعنى ، فيقول : @ وإذا امْرؤ مدح امرَءاً لِنواله وأطال فيه فقد أطال هجاءَه لو لم يقدّر فيه بعد المستقى عند الورود لما أطال رشاءَه @@ لأن بُعْد الماء في البئر يستدعي طول الرشاء ، كذلك بُعْد النوال عند الممدوح يستدعي طول المديح . إذن : استخراج الماء بالدلو كانت عادة عربية ، وإن كان الذَّنُوب يُصب له الماء ليشربوا في الدنيا ، لكن الذنوب هنا سيصب عليهم العذاب صَباً . كما قال تعالى : { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } [ الحج : 19 ] يصب على المكذبين من قريش ، كما صبّ على قوم نوح وعاد وثمود وقوم فرعون ، لأن الكفر ملة واحدة على مرِّ العصور . لذلك لما تكلم الحق سبحانه عن عذاب قوم لوط قال : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } [ هود : 82 - 83 ] فالعذاب الذي نزل بالسابقين ليس بعيداً عن اللاحقين . وهنا أكد على هذا المعنى فقال : { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } [ الذاريات : 59 ] لأنه واقع بهم لا محالة وغير بعيد عنهم ، والمسألة مسألة وقت وأوانٍ ينتظرهم .