Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 1-3)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نلاحظ أن مطلع سورة الطور يتشابه ومطلع سورة الذاريات قبلها ، ففي الذاريات يُقسم الحق سبحانه : { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً * فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } [ الذاريات : 1 - 4 ] وجواب القسم { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٌ } [ الذاريات : 5 - 6 ] . وهنا يقسم الحق سبحانه : { وَٱلطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ * وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ * وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ * وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [ الطور : 1 - 6 ] وجواب القسم { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [ الطور : 7 - 8 ] فكلاهما يقسم على صدق الإخبار بيوم القيامة ، وما فيه من العذاب الذي لا يُرد ولا يُدفع . وحينما نتأمل المقسَم به في الموضعين نجده في سورة الذاريات أقسم بأشياء مادية ، أقسم بالرياح والسُّحب التي تحمل الماء الذي يُحيي الأرض . وفي الطور أقسم بأشياء روحية قيمية ، فالمادة تسعدك في الدنيا ، والقيم تُسعدك في الدنيا والآخرة ، والدنيا مهما طالتْ تنتهي إلى الآخرة الباقية التي لا نفادَ لنعيمها . لذلك خاطبنا الحق سبحانه بقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ … } [ الأنفال : 24 ] يخاطبهم وهم أحياء يُرزقون ، إذن : يقصد حياة أخرى غير هذه الحياة ، يقصد حياة القيم ، حياة النعيم الدائم الذي لا يزول . وهذا معنى قوله تعالى : { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 64 ] الحيوان أي : الحياة الحقيقية التي لا يُهدِّدها فناء . لكن لماذا أقسم الحق سبحانه هنا بالطور ؟ قالوا : لأن الرسل كُلّموا بالوحي ، أما موسى عليه السلام فكلَّمه الله مباشرة بالكلام المباشر من على هذا الجبل ، ومن هنا كانت لجبل الطور منزلة خاصة . ذلك لأن بني إسرائيل قوم عندهم لدد وعناد في الخصومة ، ويميلون إلى المادية في كل شيء حتى في الدين ، لذلك قالوا لموسى : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً … } [ البقرة : 55 ] فلو قال لهم : إن الوحي أتاني سِراً ما صدّقوه . قوله تعالى : { وَٱلطُّورِ } [ الطور : 1 ] الواو هنا واو القسم ، فالحق سبحانه يقسم بالطور أي جبل الطور ، وقلنا : إن الحق سبحانه يقسم بما يشاء من مخلوقاته ، والطور وردتْ في القرآن عشر مرات لِعظم هذه المكان عند الله . ومن على جبل الطور كلم الله سيدنا موسى { وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } [ الطور : 2 ] كتاب أي مكتوب وهو التوراة وفيها الألواح . ومسطور يعني : كتابة منظمة في سطور مش منعكش . وقوله : { فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ } [ الطور : 3 ] الرقّ : كل ما يُكتب فيه من جلد ، وهو أول ما كتبوا فيه أو عظم أو غيره { مَّنْشُورٍ } [ الطور : 3 ] مبسوط غير مطوي أو مُغلق ، مثل تاجر القماش ينشر لك الثوب ويعرضه عليك ، وهذا يعني أنه ثوبٌ جيد لا عيبَ فيه ولو كان فيه عيب ما نشره ، وما أعطاك الفرصة لتتفقده . فالحق سبحانه نشر كتابه وعرضه على الخَلْق ليقرؤوه ، وهذا يعني أنه كتاب مُحكم دقيق ، لا عيبَ فيه ولا خلل .