Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 19-22)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الاستفهام في { أَفَرَأَيْتُمُ … } [ النجم : 19 ] بمعنى أخبروني عن شأن هذه الأصنام التي اتخذتموها آلهة من دون الله ، وقد كانوا يتخذون الآلهة على أشكال شتى ، إنسان أو حيوان أو شجرة ، وربما يتخذون صنماً لا شكلَ له . و { ٱللاَّتَ … } [ النجم : 19 ] صنم على شكل رجل كان عندهم يلتُّ العجين ليريح النساء من هذا العمل الشاق ، ومات ولم يترك خَلفاً بعده يقوم بهذا العمل ، فحزنوا لموته ، وصنعوا له تمثالاً تكريماً لذكراه ثم بعد ذلك عبدوه . و { وَٱلْعُزَّىٰ } [ النجم : 19 ] اسم شجرة كانوا يعبدونها ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم خالداً أن يذهب ويقطعها ، وكان يقول : @ يا عُزَّى كفرانك لا غفرانك إني رأيت الله قد أهانك @@ { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [ النجم : 20 ] مناة أيضاً اسم صنم لهم ، وقال : { ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [ النجم : 20 ] فهي ثالثتهم ولم تكُنْ على شكل إنسان أو حيوان ، فقال : { ٱلأُخْرَىٰ } [ النجم : 20 ] على سبيل تحقيرهم والاستهزاء بهم وبمَنْ عبدوهم . الحق سبحانه وتعالى جعلهم حكاماً على ما يفعلون وعلى عبادتهم للأصنام ، فقال لهم : أخبروني عن هذه الأصنام هل تستحق أنْ تُعبد ، هل لها قدرة أو إرادة ، وهي أحجار جئتم بها بأيديكم وصوَّرتموها على صورة تريدونها ؟ ثم إذا سقط الصنم وأطاحت به الريح أقمتموه ، وإذا كسر ذراعه أصلحتموه ، فكيف تعبدونها ؟ وأين عقولكم ؟ لكنها طبيعة التديُّن في الفطرة البشرية ، فقد جبل الخالق سبحانه الإنسان على التدين ، وقبل أنْ يُخلق آدم وهو ما يزال في عالم الذر وأخذ علينا العهد ونحن في عالم الذر في ظهر آدم عليه السلام . فقال سبحانه : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ الأعراف : 172 - 173 ] . إذن : عبدوا الأصنام لما عندهم من إيمان الفطرة في النفس ، لكن الإيمان له تبعات ومطلوبات قد تشقُّ على النفس وتقيد حركتها نحو الشهوات ، فيميل الإنسانُ إلى عبادة إله بدون تكليف ليُرضيَ غريزة التدين في نفسه ، ومن هنا عبدوا الأصنام لأنها آلهة في زعمهم ، لكن ليس لها مطلوبات وليس لها منهج ، وما عبدوها إلا لراحة مواجيدهم الإيمانية . ونلاحظ هنا دقة الأداء القرآني في قوله تعالى : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [ النجم : 19 - 20 ] لأنهم عبدوا أيضاً الملائكة من دون الله ، لكن لم يذكرها مع اللات والعزى ومناة ، لأن الملائكة لا تُرى . فلا يصح أنْ يقول : أفرأيتم الملائكة لأنهم لم يروا الملائكة ، إنما سمعوا عنها وآمنوا بها غيباً ، وقالوا على كل هؤلاء : شعفاؤنا عند الله ، وقالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ … } [ الزمر : 3 ] إذن : حتى في كفرهم بالله يتمحّكون في الله . وقوله تعالى : { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ } [ النجم : 21 ] استفهام للتعجُّب والإنكار عليهم ، حيث نسبوا لله تعالى الملائكة وجعلوها إناثاً لوجود تاء التأنيث بها . والملائكة مخلوقات لله تعالى نورانية لا تأكل ولا تشرب ولا تتناسل ، ولا تُوصف بذكورة ولا بأنوثة . فهذا تعدٍّ في الحكم وقسمة سماها القرآن { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } [ النجم : 22 ] جائرة ظالمة ، لأنكم نسبتُم لأنفسكم الجنس الأعلى ولله الجنس الأدنى ، فالخطأ الأول أنهم جعلوا الملائكة إناثاً ، والثاني أنهم عبدوها . والحق سبحانه يرد عليهم : { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } [ الزخرف : 19 ] . وقال : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ … } [ الأنبياء : 98 ] أي : وقودها الذي تتأجج به والعياذ بالله . فالمأزق الذي وقع فيه عُبَّاد الأصنام أنهم قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ … } [ الزمر : 3 ] ولو قالوا : ما نتقربُّ إليهم إلا ليقربونا إلى الله لكانت مقبولة ، لكن قالوا : نعبدهم وهو قول باطل ، فردَّ الله عليهم : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ … } [ الأنبياء : 98 ] . فإنْ قلتَ : فما ذنب عيسى والعُزير ؟ وما ذنب الملائكة وقد عبدوها من دون الله ؟ والجواب في نفس الآية ، تأمل { وَمَا تَعْبُدُونَ … } [ الأنبياء : 98 ] فـما هنا لغير العاقل ولم يقُلْ : ومَنْ تعبدون ، فسيدنا عيسى والعزير والملائكة لا يشملهم هذا الحكم . وتأمل كلمة { ضِيزَىٰ } [ النجم : 22 ] تجدها كلمة غريبة في تركيبها وفي نقطها ولم تتكرر في مفردات القرآن ، جاءت هكذا عجيبة لتدل على أن فعلهم غريب وعجيب ، وأن قسمتهم هذه جائزة ظالمة ، لأنهم نسبوا لله تعالى وهو الخالق الجنس الأدنى . أي : في نظرهم هم . فالعقائد لا تُفضّل الذكر على الأنثى ، فهما سواء في ميزان الشرع ، ولبيان هذه المسألة اقرأ مثلاً في قصة السيدة مريم : { إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً … } [ آل عمران : 35 ] أي : محرراً وموقوفاً على خدمة البيت ، والخدمة في أماكن العبادة خاصة بالذكور ولا تصح لها الإناث . { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ … } [ آل عمران : 36 ] أي : ليس كلأنثى في آداء هذه المهمة ، فبيَّن الله لها أن الأنثى التي أريدها ستأخذ منزلة لم تأخذها أنثى غيرها . فالذكر الذي طلبْتِه ليس كالأنثى التي وهبتُها لك ، لأن هذه الأنثى سيكون لها منزلة في تاريخ العقائد ، موقف يرفعها على جميع النساء . لذلك لما تكلم عن نماذج من النساء قال امرأة ولم يُسمِّ إلا مريم ، فقال : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ … } [ التحريم : 10 ] وقال : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ … } [ التحريم : 11 ] ولم يُسمِّها إلا رسول الله ، فقال : هي آسية بنت مزاحم . فالحق سبحانه لم يُسمّ هؤلاء ، فهُنَّ نماذج لحالات مختلفة هدفها واحد وهو حرية العقيدة للمرأة ، ولا أحدَ يستطيع أنْ يُرغم أحداً على عقيدة بعينها . أما مريم فسمَّاها باسمها واسم أبيها { وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ … } [ التحريم : 12 ] لأنها نموذج فريد وحالة خاصة لن تتكرر بعدها . إذن : إبهام الشخصيات له موضعه ، وتعيُّنها له موضعه ، وكُلّ له حكمته . ففي قصة أهل الكهف ذكر قصة الفتية { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } [ الكهف : 13 ] ولم يُعيِّن القرآن أسماءهم ولا عددهم ، ولم يذكر عنهم إلا وصف الإيمان بالله ، وهذا هو القدر المراد في قصتهم ولا يُهم بعد ذلك عددهم أو أسمائهم ، فهو عِلْم لا ينفع ، وجهل لا يضر كما يقولون . فهم نموذج للفتية المؤمنين المتمسكين بعقيدتهم المجابهة للظلم في أيِّ زمان وفي أيِّ مكان ، بأيِّ عدد وبأيِّ صورة ، ولو عيّنهم وسمّاهم لكانوا حالة خاصة ليس بالضرورة أن تتكرر . وأحبُّ أنْ أستدرك الحديث عن مسألة رؤية سيدنا رسول الله لربه ، لأنها مسألة كَثُر فيها الكلام بين المفسرين ، وتباينت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض . وأقول : أولاً إنها مسألة لا تضر أصل العقيدة ، لأنها لا تأتي بشيء جديد إلا أنْ نعرف منزلة محمد من ربه ، فالذين يحبون رسول الله يريدون أنْ يصلوا به إلى مرتبة أنه رأى ربه فيُثبتون له ذلك . وآخرون مُحبُّون أيضاً لرسول الله لكنهم يريدون أنْ يُجنِّبوا الناس متاهات الشك ، فيحاولون تخفيف هذه المسألة بأنها رؤية على غير الحقيقة . ونحن بدورنا نريد أنْ نُبسِّط المسألة تبسيطاً يُيسِّرها على الجميع ، ومن الطبيعي أنْ تختلف آراء العلماء ، وهو اختلاف يُعزِّز الدين في ذاته ولا يقدح فيه . والمتتبع لآيات سورة النجم من أولها يجدها تحدثتْ عن الوحي في موضعين : الأول : { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } [ النجم : 4 - 5 ] والمراد : الوحي الذي نزل به جبريل على محمد وهو في الأرض . إذن : فقوله تعالى بعدها : { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } [ النجم : 10 ] ليست بالمعنى الأول ، بل تضيف جديداً ، فالوحي فيها يُقصد به الوحي المباشر من الله تعالى لنبيه محمد . بدليل أن الآية هنا لم تذكر جبريل واسطة الوحي ، ثم أبهمتْ الوحي فقالت : { مَآ أَوْحَىٰ } [ النجم : 10 ] والوحي الذي نزل به جبريل معلوم وغير مُبْهم . كما أن إبهام الوحي هنا يدل على عِظمه ، وأنه شيء كثير فوق الحصر ، أو أنه شيء غريب وعجيب كما جاء في قوله تعالى : { فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } [ طه : 78 ] . إذن : نحن أمام نوعين من الوحي ، وإذا كانا بمعنى واحد فما ضرورة أنْ يذهب رسول الله في هذه الرحلة من الأرض إلى السماء ما دام جبريل ينزل عليه . ويُوحي إليه ؟ نفهم من ذلك أن { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } [ النجم : 10 ] عطاء جديد لرسول الله ، لكنه عطاء مُغلّف بالغيب ، فليست كل العقول مهيئة لتقبُّله ، وعلى قدر صفاء النفس يكون الاقتناع بمثل هذه المواقف ، والناس يختلفون كثيراً في هذه المسألة . ومن هنا رأينا المؤيد والمعارض ، والحمد لله فهذا خلاف لا يقدح في العقيدة ، والحق سبحانه وتعالى خاطب الجميع مَنْ اكتفى بالفرائض ، ومَنْ زاد عليها وأوغل في النوافل ، جعل لكلٍّ عطاءً يناسبه . والوحي المباشر من الله تعالى لنبيه محمد يقتضي القُرْب ، ويقتضي السماع ، وقد أوضح سيدنا رسول الله الرؤية فقال : " نور أنَّى أراه " ، فقد رأى صلى الله عليه وسلم النور ، وهل بعد ذلك غاية تُدرك ؟ وقد ورد في أثر ما يؤكد هذا أن رسول الله ضرب على صدر أحد الصحابة حتى أحسَّ برد أنامله . وقال : أعطاني ربي ثلاثة أوعية : وعاء أمرني بتبليغه وهو الصلاة ، ووعاء خيَّرني فيه يعني : أبلغه لأصحاب الصفاء الذين يحسنون الاستقبال عني وأكتمه عن الذين لا يُحسنون الاستقبال ، ووعاءً نهاني الله عنه وفي هذا الوعاء أمور فوق مدارك البشر جميعاً ولا تتحمله عقولهم فأُمِر رسول الله بأنْ يكتمه . والصحابة أنفسهم كانوا يتفاوتون في فَهْم مثل هذه الأمور ، فسيدنا عمر لما طاف بالكعبة ووقف أمام الحجر الأسود قال : والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أنِّي رأيتُ رسول الله يُقبِّلك ما قبَّلتك . يريد عمر أنْ يلفتنا إلى أن العمل العبادي لا يُؤدّى لذاته ، إنما ثقة في الآمر به . أما سيدنا علي فعنده لَوْن آخر من الفيض ومن الفهم ، فيأتي سيدنا عمر ويقول له بينه وبينه : يا أمير المؤمنين ، ولكني أعرف أنه يضر وينفع ، ألا يشهد لصاحبه يوم القيامة . إذن : ليس بالضرورة أنْ نعلم كلَّ شيء ، والله يقول : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 85 ] مهما كنت ، وعندنا في حياتنا اليومية نغلف الشيء النفيس في أكثر من غلاف ، فنضعه في ظرف ، والظرف في خزينة مُحكمة ، والخزينة في مكان خاص ، فما بالك إذا كان الأمرُ خاصّاً برؤية الله جَلَّ وعلا ، فلا بأس أنْ تغلف في هذه الأساليب ولكل عقل أنْ يتقبَّل منها ما يريد . ثم في قوله سبحانه : { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } [ النجم : 12 ] الوحي يُرَى أم يُسمع ؟ الوحي يُسمع ، فلماذا قال { عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } [ النجم : 12 ] إذن : لابد أن يكون هناك رؤية . والذين لا يقبلون الرؤية يستشهدون بقوله تعالى : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ … } [ الأنعام : 103 ] . نعم لا تدركه الأبصار ، فقد حدد آلة الإدراك وهي الأبصار ، وهذا يعني أنه لا مانعَ أنْ يدرك بغير الأبصار ، فالمنع هنا للأبصار فقط ، فحين يرد خبر معناه : انعكس بصري على بصيرتي ، فرأيت مَنْ لا كمثله شيء لابد أن نفهم أن المسألة فيها تغليف وسَتْر لأمر نفيس وعجيب . بل إن المتدبر للآيات يجدها تذهب إلى أبعد مما تتكلَّمون فيه ، اقرأ : { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } [ النجم : 12 ] وبعدها { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } [ النجم : 18 ] يعني : رأى أكثر من الذي تتكلمون فيه ، فما حالكم لو أخبرناكم بكلِّ ما رأى ؟ وفي قصة سيدنا موسى عليه السلام لما قال لربه : { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً … } [ الأعراف : 143 ] . تأمل أولاً { لَن تَرَانِي … } [ الأعراف : 143 ] ولم يقُلْ : لن أرى ، يعني : لن تراني يا موسى وأنت على هذه الهيئة لأنها لا تُمكنك من الرؤية ، لكن تجلى للجبل والتجلِّي يقتضي الرؤية . إذن : الأمر هنا في الرائي ومدى استعداده للرؤية . ومحمد مثل موسى في هذه المسألة ، لكنه لما صعد إلى السماء أخذ شيئاً من الملائكية تُمكنه من الصعود والاختراق ، ملائكية غطَّتْ على بشريته وتغلَّبتْ عليها .