Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 59-62)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الهمزة هنا استفهام للتعجب ، فهم يتعجبون من { هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } [ النجم : 59 ] أي : من القرآن وهو يتعجب منهم ، يقول لهم : أتتعجبون من القرآن ؟ الأوْلَى بكم أنْ تتعجبوا من حالكم وما أنتم فيه من لهو وغفلة وانصراف عن الحق ، وهذا يُفوِّت عليكم الفرصة ويحرمكم خيراً كثيراً . ونفس المعنى في { وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ } [ النجم : 60 ] تضحكون سخرية واستهزاءً ، وكان الأوْلَى بكم أنْ تبكوا على أنفسكم وعلى ما فاتكم من الخير { وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } [ النجم : 61 ] لاهون غافلون . وهذا حال مَنْ قستْ قلوبهم وغلبهم الشيطان والنفس ، تراهم إلى جانب انصرافهم عن الحق يسخرون من أهله ويضحكون استهزاءً بهم . كما قال تعالى في تصوير هذا الموقف : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } [ المطففين : 29 ] سماهم مجرمين { كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } [ المطففين : 29 - 33 ] . نعم ، هذا حال أهل الباطل الذين يقلبون الحقائق في الدنيا ، لكن الدنيا ليست هي الغاية ، وليست هي نهاية المطاف ، فهناك اليوم الآخر الذي يفصل فيه بين الظالم والمظلوم ، كما قالوا : وعند الله تجتمع الخصوم . فالله يُطمئن أهل الإيمان : { فَٱلْيَوْمَ } [ المطففين : 34 ] أي : يوم الحساب { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } [ المطففين : 34 ] ومَنْ يضحك أخيراً يضحك كثيراً { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [ المطففين : 35 - 36 ] وعندها نقول : نعم يا رب جازيتهم بما يستحقون . وقوله سبحانه : { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } [ النجم : 62 ] نلاحظ أولاً أسلوب الاختصار في الأداء القرآني الذي يترك مجالاً لفطنة المتلقي ، فالمعنى : فاسجدوا لله واعبدوا الله ، لأنه وحده المستحق للعبادة لا شريك له ، فالأمر بالعبادة لا ينصرف إلا إليه سبحانه ، حتى لو لم يُذكر المعبود سبحانه . الحق سبحانه وتعالى حينما يأمرهم بالسجود والخضوع والطاعة كأنه يقول لهم : كان أوْلَى بكم البكاء والخضوع والتضرع ، وأنْ تتمسكوا بهذا الحق الذي جاءكم ليأخذ بأيديكم ، فهو حبل النجاة فلا تقابلوه بالسخرية . وهنا ملحظ في نهاية السورة يأتي الأمر بالسجود { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } [ النجم : 62 ] كأن الله يتودد إلى عباده حتى الكافرين يقول لهم : يا عبادي أنتم صنعتي وعيالي ، فتعالوا إلى ساحتي . انهوا الخلاف والمعارضة ، واخضعوا لي بالسجود والعبادة ، فأنا أريد لكم الخير ، وهل هناك صانع يريد الشر لصنعته ؟ لذلك ورد في الحديث القدسي : " يا بن آدم ، أنا لك محب فبحقِّي عليك كن لي محباً " . ولله المثل الأعلى : أرأيتَ لو أن رجلاً غنياً وسّع الله عليه وعنده ولد فاسد ، فينادي عليه : يا بُني تعالَ انتفع بمالي ، فأنت أحقُّ به ، كذلك الحق سبحانه ينادي على الخارجين عن منهجه : تعالوا فالخير ينتظركم . وإذا كان الأمر في { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } [ النجم : 62 ] للكافرين ، فهو أيضاً يكون للمؤمنين : اسجدوا شكراً لله الذي هداكم إلى الإيمان ونجاكم من الكفر .