Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 1-1)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الساعة من أسماء يوم القيامة ، فهي : الساعة ، والحاقة ، والصَّاخة ، والواقعة ، والطامة ، وغيرها ، وكلُّ وصف من هذه الأوصاف فيه جانب من الفزع والإخافة . ونلاحظ المناسبة بين أواخر النجم وبداية القمر ، فهناك قال : { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } [ النجم : 57 ] وهنا قال : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ … } [ القمر : 1 ] وقلنا : إن مجرد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة ، نعرف أن الساعة لن تقوم إلا على شرار الخلق حين لا يقال في الأرض : الله ، الله . أما أهل القبور ، من لدن سيدنا آدم عليه السلام إلى مَنْ مات قبل قيام الساعة ، فكما قلنا إن الزمن في حقِّهم متوقف ، لأن الزمن فرع الأحداث ، فإذا لم توجد الأحداث لا يوجد الزمن . لذلك قال تعالى عنهم : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا } [ النازعات : 46 ] أي : القيامة { لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا } [ النازعات : 46 ] والرجل الذي حاجّ إبراهيم في ربه أماته الله مائة سنة ، وقال بعد أنْ أحياه الله { لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ … } [ البقرة : 259 ] . وقالها أهل الكهف بعد ثلاثمائة سنة وتسع ، لأن هذه هي الفترة التي يمكن أنْ يستغرقها النائم في نومه ، كذلك ستمر فترة البرزخ على أهل القبور هكذا ، وكأنهم ناموا نوْمة وقاموا منها . والله سبحانه وتعالى هو مالك الزمن ، وهو القابض والباسط ، يقبضه لمَنْ يشاء ويبسطه لمَنْ يشاء . ومعنى { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ … } [ القمر : 1 ] يعني : هي قريبة منك على المستوى الشخصي ، فلا تنظر أنت إلى العلامات الصغرى ، ثم إلى العلامات الكبرى وتقول : ما زال الوقت طويلاً بيننا وبين القيامة ، لا ليس كذلك يكون تصور القيامة . فالقيامة للإنسان هي أنْ يموت ، ليستْ بعد آلاف أو ملايين السنين لقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ مات فقد قامت قيامته " . نعم لأنه انتقل من مرحلة الدنيا إلى مرحلة الآخرة ، وانقطع عمله في الدنيا ، والحق سبحانه أبهم وقت الموت ومكانه ليظل الإنسان على ذِكْر له في كل لحظة . وقوله تعالى : { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [ القمر : 1 ] انشقاق القمر آية كونية ثابتة بالكتاب والسنة ، فقد ورد أن القمر انشقّ لرسول الله حتى ظهر حراء بين الشقين ، وقد رأى هذه الآية أهل هذا الزمان ممَّنْ تيسر لهم الرؤية فشاهدوه على هذه الصورة . لا نقول رآه العالم كله ، لأن الآيات الكونية معجزات يُراد منها تثبيت الرسل ، وبيان صدقهم في البلاغ عن الله ، فليس بالضرورة أنْ يرى هذه الآية كلُّ أهل هذا الزمان ، كيف ونحن الآن مع التقدم العلمي الهائل وتوفر وسائل الاتصال نسمع عن حدوث خسوف أو كسوف في وقت كذا وكذا ، وفعلاً تنقله القنوات المختلفة ، ومع ذلك ومع الإعلان عن الظاهرة مُقدِّماً إلا أن القليل هم الذين يتمكنون من رؤيتها ، والقمر آية ليلية في وقت معظم الناس فيه نائمون . ثم إن المعجزات والآيات الكونية للرسل لا يُقصد منها المعجزة الدائمة ، بل معجزة لمَنْ شاهدها ليثبت على إيمانه إنْ كان مؤمناً ، أو يؤمن بالله إنْ كان كافراً . لذلك قالوا : هي كعود الكبريت لا يشتغل إلا مرة واحدة ، وهكذا كل معجزات الرسل ، فلولا أن القرآن أخبرنا بعصا موسى ما كنا عرفنا عنها شيئاً . والآيات الكونية هذه خَرْق للنواميس في لحظتها ، ثم تعود الأمور إلى طبيعتها ، فالقمر انشقّ فعلاً وخرق العادة ، ثم عاد إلى ما كان عليه بعد أنْ رآه كفار مكة المكذبون لرسول الله ، ليس كل الكفار بل بعضهم ، فهذا البعض الذي شاهد المعجزة كافٍ لإثباتها . وقالوا : معنى { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ … } [ القمر : 1 ] أي : ساعة كل إنسان وأجله الذي ينتظره { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [ القمر : 1 ] أي : ينشقّ عنه ويغيب ويعتزل حياته . وما دام أن الله تعالى قال { ٱقْتَرَبَتِ … } [ القمر : 1 ] فقد اقتربتْ بالفعل ، ولا تبحث في هذه المسألة . والحق سبحانه قال أيضاً : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النحل : 1 ] فقال أتى بلفظ الماضي كأنه حدث بالفعل فكيف يقول { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ … } [ النحل : 1 ] قالوا : لأن الله هو الذي قال أتى ولا أحدَ يستطيع أن يعترض عليه أو يمنعه أنْ يحقق ما أخبر به . كذلك في قوله { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ … } [ القمر : 1 ] فقد اقتربتْ بالفعل ، إما ساعة كلّ إنسان حينما يأتي أجله وهذا قريب ، أو الساعة العامة فهي أيضاً قريبة ، لأن انشقاق القمر من علاماتها وبعثته صلى الله عليه وسلم من علاماتها . ويُروى أن المكذبين لرسول الله قالوا له : إنْ كنتَ صادقاً فيما تخبر به فأتِ بآية الآن تدل على صِدْقك ، قالوا : الوليد بن المغيرة وأبو جهل بنَ هشام والعاص بن وائل ، والعاص بن ربيعة ، والأسود ابن عبد يغوث ، والأسود بن عبد المطلب ، وربيعة بن الأسود ، والنضر بن الحارث . وكل هؤلاء وغيرهم حضروا هذه الواقعة ، حيث دعا رسول الله وسأل ربه فانفلق القمر نصفين ، نصف على جبل أبي قبيس ، ونصف على قينقاع حتى ظهر غار حراء بينهما ، فلما رأوا ذلك قالوا : هذا سحر ، أما أهل التعقل فقالوا : نسأل المسافرين في الصحراء بعيداً عن هذا المكان ، فلما سألوهم قالوا : نعم رأيناه وقال آخرون : لم نره . وقد أرجع الإمام علي رضي الله عنه هذا الاختلاف إلى أن آية انشقاق القمر آية ليلية ، البعض رآها بالفعل ، والبعض بل الأكثر لم يرها . وباستقراء الآيات التي وردت في قيام الساعة وما يسبقها من علامات ، نقرأ { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } [ التكوير : 1 - 2 ] وغيرها كثير مما يُصوّر لنا انهدام هذه الكيانات . أما القمر فلم يأت فيه إلا قوله تعالى : { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ * وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } [ القيامة : 7 - 8 ] والخسف أهون ، وأقل من تكوير الشمس . ونفهم من هذا أن حادثة انشقاق القمر في الدنيا ستُدخر له في الآخرة ، فلا يحدث له ما يحدث لغيره من النجوم . لذلك يقول سبحانه : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ … } [ الزمر : 68 ] إذن : هناك مَنْ يُصعق وهناك مَنْ ينجو . وفي تصوير سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لموقف القيامة يقول : فلما أفقتُ وجدت أخي موسى آخذاً بعضد العرش . وهذا يعني أنه عليه السلام لم يُصعق فيمَنْ صُعق - لذلك تعجب رسول الله . ثم بيَّن أنه صُعق مرة في الدنيا وهو على جبل الطور : { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً … } [ الأعراف : 143 ] وما كان الله سبحانه وتعالى ليجمع على نبيه موسى الصعقتين ، فلما صُعِق في الدنيا نجّاه من صعقة الآخرة . وهذا هو الاستثناء { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ … } [ الزمر : 68 ] . وهكذا الحال في مسألة انشقاق القمر ، وهذا يعني أن الانشقاق كان حقيقياً وآية كونية أخرجتْ القمر عن طبيعته وكيفيته ، لذلك لا يصيبه ما يصيب النجوم الأخرى في الآخرة .