Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 107-107)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق سبحانه وتعالى يعطينا قضية لابد أن نستصحبها في تاريخنا الإيماني ، والقضية هي : أن أيَّ كافر لم يكفر قهرا عن الله ، وإنما كفر لأن الله أرخى له الزمام بالاختيار أي خلقه مختارا ، ولذلك فالكافر إنما يفعل كل فعل بما آتاه الله من الاختيار لا غصبا عن ربنا أو قهرا ، بدليل أن الكون الذي نحيا فيه مقهور بالأمر ، لا يمكن أن يختار إلا مراد الله منه ، وكل ما في الكون يسير إلى مراد الله . إذن فمن كفر لم يكفر قهرا عن الله لأن طبيعة الاختيار ممنوحة من الله . وحين اختص الله الإنسان بالاختيار وضع المنهج الذي يرتب عليه الثواب والعقاب . ولذلك نزل التكليف بـ " افعل " و " لا تفعل " . وسبحانه إن أراد قهرا فقد قهر كل الأجناس في الكون قهرها بطول العمر ، وأنها تؤدي مهمتها كما أراد الله منها ، إنّه قهر الشمس ، وقهر القمر ، وقهر النجوم ، وقهر الماء ، وكل حاجة في الكون مقهورة له حتى الملائكة خلقهم : { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ } [ التحريم : 6 ] . إذن صفة القهر أخذت متعلقها كاملا . ولكن أيريد الله من خلقه أن يكونوا مقهورين على ما يريد ؟ لا ، بل يريد سبحانه أن يكونوا فاعلين لما يحبه ، وإن كانوا مختارين أن يفعلوا ما لا يحبه ، كأن خلق القهر في الأجناس كان لإثبات طلاقة القدرة ، وأنه لا يمكن لمخلوق أن يشذ عن مراد الله منه . وبقي الاختيار في الإنسان ليدل على أن أناسا من خلقه سبحانه يذهبون إليه جل وعلا وهم قادرون ألا يذهبوا إليه ، وهذه تثبت صفة المحبة . وحين يختار المختار الطاعة ، وهو قادر ألا يطيع ، ويختار الإيمان وهو قادر أن يكفر فقد جاء إلى الله محبة لا قهرا ، ولذلك يقول ربنا لرسوله صلى الله عليه وسلم : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 3 - 4 ] . أي أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة وحزنا على عدم إيمان قومك بما جئت به من عند ربك ، أتريد يا محمد أن أقهرهم ؟ أتريد أعناقاً أو قلوباً ؟ إنك يا محمد تعلم أن منهجك النازل إليك من ربك يريد قلوبا ، والقلوب تأتي بالاختيار . فلو شئنا إيمانهم لأنزلنا معجزة تأخذ بقلوبهم فيؤمنون قهرا عليهم . ولذلك إذا خُدِشَ الاختيار بفقد أي عنصر من عناصره يزول التكليف . بدليل أنه لا تكليف على فاقد العقل لأن آلة الاختيار عندنا هي العقل . وكذلك لا تكليف لمن لم ينضج بل يتركه الحق إلى أن ينضج . ويصير قادرا على إنجاب مثله وأن يصل إلى التكوين الكيماوي السليم . ويمنع عنه الإكراه بأي قوة أعلى منه تقهره على أن يفعل شيئا على غير مراده ، وهنا يأتي التكليف . إذن فالتكليف يحتاج إلى أمور ثلاثة : وجود عقل ، لذلك فلا تكليف لمجنون ، وعقل رشيد ناضج ، فقبل البلوغ لا تكليف ولا إكراه حتى يسلم الاختيار ، لماذا ؟ تأتي الإجابة من الحق سبحانه : { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } [ الأنفال : 42 ] . ويقول الحق سبحانه : { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ … } .