Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 11-11)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نعلم أن الحق لم يقل أبداً : سيروا على الأرض لأن الأرض ظرف يسير فيه الإنسان ، والإنسان مظروف في الأرض . وقد حدث هذا البلاغ من الله قبل أن نصل بالعلم إلى معرفة أن الأرض كروية ومعلقة في الهواء ، والهواء يحيط بها ، وأن الهواء هو أقوات الإنسان بما فيه من أوكسجين وبما يغذي النبات من ثاني أوكسيد الكربون ، ونعلم أن الإنسان يصبر على الطعام لأسابيع ويصبر على الماء لأيام ولا يصبر على انقطاع الهواء عنه للحظات . ولذلك لا يملَّك الله الهواء لأحد أبدا ، وهكذا عرفنا أن الهواء من جنس الأرض . وعندما يسير الإنسان فالهواء يحيطه ، وعلى ذلك فهو يسير في الأرض . وهذا من الإعجاز الأدائي في القرآن ونقرأ قوله الحق : { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } [ النحل : 36 ] . وهنا في سورة الأنعام يقول الحق سبحانه : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } [ الأنعام : 11 ] . ما الفرق بين الاثنتين ؟ خصوصاً ونحن نعلم أن الفاء من حروف العطف وكذلك " ثم " هي أيضاً من حروف العطف وكلتاهما حرف يُفيد الترتيب ، ولكن الفارق أن الفاء تعني الترتيب مع التعقيب أي من غير تراخٍ ومضى مدة … مثل قولنا : جاء زيد فعمرو ، أي أن عَمْراً جاء من فور مجيء زيدٍ من غير مهلة . ولكن " ثم " تعني طول المسافة الزمنية الفاصلة بين المعطوف والمعطوف عليه ، فعندما يقول الحق : { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } [ النحل : 36 ] . فكأن النظر والتدبر هو المراد من السير وبذلك يكون سيرَ الاعتبار . ويقول الحق : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } يعني أن الإنسان قد يسير في الأرض للتجارة أو الزراعة أو لأي عمل ، وعليه أن يتفكر في أثناء ذلك وأن يتأمل . إذن فهناك سير للاعتبار وسير للمصلحة . والسير للاعتبار يعني أن يأخذ الإنسان العبرة مباشرة ، أما السير للمصلحة فهو أن يأخذ الإنسان العبرة ضمن المصلحة . وكان سير قريش بقوافلها إلى الشام واليمن يجعلها قادرة على أن ترى آثار المكذبين سواء من أهل ثمود أو قوم عاد أو غيرهم . وكان عليهم أن يأخذوا العبرة في أثناء سعيهم لتجارتهم . ويقول الحق لرسوله صلى الله عليه وسلم من بعد ذلك : { قُل لِّمَن مَّا فِي … } .