Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 157-157)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد يحتج المشركون من أن التوراة والإِنجيل لو نزلت عليهم لكانوا أهدى من اليهود والنصارى ، وفي هذا القول ما يعني أن أذهانهم مستعدة لتقبل الإيمان ، وقد قطع الله عليهم كل عذر فجاء لهم بالقرآن ، ويقول الحق : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا } [ الأنعام : 157 ] . و " صدف " من الأفعال التي تُستعمل متعدية وتُستعمل لازمة ، ومعنى " لازمة " أنها تكتفي بالفاعل ولا تتطلب مفعولاً ، فمثلاً إذا قيل لك : جلس فلان . تفهم أن فلاناً قد جلس ويتم لك المعنى ولا تتطلب شيئاً آخر . لكنك إن قيل لك : ضَربَ زيد ، فلا بد أنك تنتظر من محدثك أن يبين لك من الذي ضُرَب ، أي أنك جئت بفعل يطلب شيئاً بعد الفاعل ليقع عليه الفعل . وهذا اسمه فعل " متعد " أي يتعدى به الفاعل إلى مفعول به . و " صدف " فيها الخاصتان . وجاء الحق بهذه الصيغة المحتملة لأن تكون لازمة وأن تكون متعدية ليصيب الأسلوب غرضين الغرض الأول : أن تكون " صدف " بمعنى انصرف وأعرض فكانت لازمة أي ضل في ذاته ، والأمر الثاني : أن تكون صدف متعدية فهي تدل على أنه يصرف غيره عن الإيمان ، أي يضل غيره ، ويقع عليه الوزر لضلال نفسه أولاً ثم عليه وزر من أضل ثانياً ، ولذلك جاء سبحانه باللفظ الذي يصلح للاثنتين " صدف عنها " أي انصرف ، ضلالاً لنفسه ، وصدف غيره أي جعل غيره يصدف ويعرض فأضل غيره ، وبذلك يعذبه الله عذابين ، فيقول سبحانه : { سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ } [ الأنعام : 157 ] . فكأن المسألة يرتكبها : الذين صدفوا أنفسهم ، وصرفوها عن الإيمان ، ويصدفون كل من يحاول أن يؤمن . وهؤلاء هم القوم الذين أعرضوا وانصرفوا عن منهج الهدى ، أو تغالوا في ذلك فصرفوا غيرهم عن منهج الهدى ، ولو أنهم استقرأوا الوجود الذي يعايشونه لوجدوا الموت يختطف كل يوم قوماً على غير طريقة رتيبة ، فلا السن يحكم ويحدد وقت وزمن انقضاء الأجل ، ولا الأسباب تحكمه ، ولا المرض أو العافية تحكمه ، فالموت أمر شائع في الوجود ، ومعنى ذلك أن على كل إنسان أن يترقب نهايته ، فكأنه يتساءل : لماذا إذن يصدفون ؟ . وماذا ينتظرون من الكون ؟ . أرأوا خلوداً في الكون لموجود معهم ؟ . ويقول سبحانه من بعد ذلك : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ … } .