Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 23-23)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ونعرف أن الفتنة هي الاختبار . وللفتنة وسائل متعددة فأنت تختبر الشيء لتعرف الرديء من الجيد ، والحقيقي من المزيف . ونحن نختبر الذهب ونفتنه على النار وكذلك الفضة . وهكذا نرى أن الفتنة في ذاتها غير مذمومة ، لكن المذموم والممدوح هو النتيجة التي نحصل عليها من الفتنة فالامتحانات التي نضعها لأبنائنا هي فتنة ، ومن ينجح في هذا الامتحان يفرح ومن يرسب يحزن . إذن فالنتيجة هي التي يفرح بها الإنسان أو التي يحزن من أجلها الإنسان ، وبذلك تكون الفتنة أمراً مطلوباً فيمن له اختيار . وأحياناً تطلق الفتنة على الشيء الذي يستولي على الإنسان بباطل . إن الحق يحشر المشركين مع آلهتهم التي أشركوا بها ويسألهم عن هذه الآلهة فيقولون : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } . وهم في ظاهر الأمر يدافعون عن أنفسهم ، وفي باطن الأمر يعرفون الحقيقة الكاملة وهي أن المُلْك كله الله ، ففي اليوم الآخر لا شركاء لله ذلك أنه لا اختيار للإنسان في اليوم الآخر . ولكن عندما كان للإنسان اختيار في الدنيا فقد كان أمامه أن يؤمن أو يكفر . وإيمان الدنيا الناتج عن الاختيار هو الذي يقام عليه حساب اليوم الآخر ، أما إيمان الاضطرار في اليوم الآخر فلا جزاء عليه إلا جهنم لمن كفر أو أشرك بالله في الدنيا . ولو أراد الله لنا جميعاً إيمان الاضطرار في الدنيا لأرغمنا على طاعته مثلما فعل مع الملائكة ومع سائر خلقه . لقد قهر الحق سبحانه كل أجناس الوجود ما عدا الإنسان ، وكان القهر للأجناس لإثبات القدرة ، ولكن التكريم للإنسان جاء بالاختيار ليذهب إلى الله بالمحبة . والمشركون بالله يفاجئهم الحق يوم القيامة بأنه لا إله إلا هو ، ويحاولون الكذب لمحاولة الإفلات من العقوبة فيقولون : { مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } . وهم قد كذبوا بالله في الحياة فعلاً ويريدون الكذب على الله في اليوم الآخر قولاً ، ولكن الله عليم بخفايا الصدور وما كان من السلوك في الحياة الدنيا ، ويوضح لهم في الآخرة أعمالهم ويعاقبهم العقاب الأليم . وحين يسألهم الحق : { أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ } ؟ ففي هذا القول استفهام من الله ، والاستفهام من العليم لا يقصد منه العلم ، وإنما يقصد به الإقرار مِن المسئول . وفي حياتنا اليومية يمكننا أن نرى السؤال من التلميذ لأستاذه ليعلم التلميذ ما يجهل . ونرى السؤال يرد مرة بعد أخرى من الاستاذ لتلميذه لا ليعلم ما لم يعلم ، ولكن ليقرر التلميذ بما يعلمه وما تعلمه من أستاذه . فإذا سأل الحق خلقه سؤالاً ، أيسألهم سبحانه ليعلم ؟ حاشا لله أن يكون الأمر كذلك . وإنما يسأل الحق عباده ليكون سؤال إقرار . والإقرار هنا فيه تبكيت أيضاً لأنه سؤال لا جواب له ، فمعاذ الله أن يوجد له شركاء . وعندما يقول الحق لهم : { أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ } ؟ فمعنى ذلك هو الاستبعاد أن يوجد له سبحانه شركاء . وبذلك يوبخهم ويبكتهم الحق على أنهم أشركوا بالله ما لا وجود له . لقد أشركوا بالله في الدنيا لمجرد التخلص من موجبات الإيمان . وها هم أولاء في المشهد العظيم يعرفون قدر كذبهم في الدنيا ، فلا ملك لأحد إلا الله ، ولا معبود سواه ، فينطقون بما يشهدون : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } . ولقائل أن يقول : ولكن هناك في موضع آخر من القرآن نجد أن الله يقول في حق مثل هؤلاء : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ * وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات : 34 - 36 ] . إنهم في يوم الهول الأكبر يعرفون أنهم كذبوا في الدنيا ، وهم لا ينطقون بأي قول ينفعهم ، ولا يأذن لهم الحق بأن يقدموا أعذاراً أو اعتذاراً . ونقول لمن يظن أن المكذبين لا ينطقون : إنهم بالفعل لا ينطقون قولاً يغيثهم من العذاب الذي ينتظرهم ، وهم يقعون في الدهشة البالغة والحيرة ، بل إن بعضاً من هؤلاء المكذبين بالله واليوم الآخر يكون قد صنع شيئاً استفادت به البشرية أو تطورت به حياة الناس ، فيظن أن ذلك العمل سوف ينجيه ، إن هؤلاء قد يأخذون بالفعل حظهم وثوابهم من الناس الذين عملوا من أجلهم ومن تكريم البشرية لهم ، ولكنهم يتلقون العذاب في اليوم الآخر لأنهم أشركوا بالله . ولم يكن الحق في بالهم لحظة أن قدموا ما قدموا من اختراعات ، ولذلك يقول الحق : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ النور : 39 ] . وهكذا نعلم أن أعمال الكافرين أو المشركين يجازيهم الحق سبحانه عليها بعدله في الدنيا بالمال أو الشهرة ، ولكنها أعمال لا تفيد في الآخرة . وأعمالهم كمثل البريق اللامع الذي يحدث نتيجة سقوط أشعة الشمس على أرض فسيحة من الصحراء ، فيظنه العطشان ماء ، وما أن يقترب منه حتى يجده غير نافع له ، كذلك أعمال الكافرين أو المشركين يجدونها لا تساوي شيئاً يوم القيامة . والمشرك من هؤلاء يعرف حقيقة شركه يوم القيامة . ولا يجد إلا الواحد الأحد القهار أمامه ، لذلك يقول كل واحد منهم : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } . إن المشرك من هؤلاء ينكر شركه . وهذا الإنكار لون من الكذب . إن المشركين يكذبون ، ويقول الحق سبحانه عنهم : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } [ المجادلة : 18 ] . وحين يبعثهم الحق يوم القيامة يقسمون له أنهم كانوا مؤمنين كما كانوا يقسمون في الدنيا ، لكن الله يصفهم بالكذب ، لقد كان بإمكانهم أن يدلسوا على البشر بالحلف الكاذب في الدنيا ، ولكن ماذا عن الله الذي لا يمكن أن يدلس عليه أحد . وهكذا نرى أن فتنة هؤلاء هي فتنة كبرى : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] . ويقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ … } .