Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 60-60)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نعلم جميعاً أن النوم ليس عملية اختيارية ، وفي بعض الأحيان نرى من يسلط الله عليه الهموم فلا يعرف النوم طريقاً إلى جفونه . ونعلم أن النوم عملية قسرية يخلقها الله في الإنسان لتردعه عن الحركة بعد أن يستنفد كل قدرته على التحرك والنوم لون من الردع الذاتي . ولماذا جعل الحق النوم كالوفاة ؟ يعرف البعض أن الوفاة في معناها هي فصل الروح عن الجسد . وكأن الحق يقول لنا : إياكم أن تظنوا أن وجود الروح في الجسد هو الذي يعطي للإنسان الحياة والحركة والتصرف ، لا ، إنني سأحتفظ بالروح في الجسد ولا أقدره على التصرف الاختياري ، وذلك حتى لا تفتتنوا في الروح لأن هناك أجهزة لا دخل لاختيارك فيها مثل نبض القلب والتنفس ، وغير ذلك من حركات أجهزة الجسم . وضرب لنا الحق المثل بأهل الكهف الذين أنامهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا : { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } [ الكهف : 25 ] . النوم - إذن - نعمة من الله جعلها في التكوين الذاتي ، ولذلك إذا أردت أن تنام فليس ذلك بمقدورك ولكنه بمقدور الحق . إنه يقال عن النوم : ضيف إن طلبته عنّتك - أي أتعبك - وإن طلبك أراحك . ويأتي النوم للمتعب حتى ولو نام على حصى ، وقد لا يأتي النوم لمن يتهيأ له ولو كان على فراش من حرير . والحق سبحانه يقول : { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } [ الروم : 23 ] . النوم - إذن - آية كاملة بمفردها ، ولا يأتي النوم بالليل فقط ، ولكن يأتي بالنهار أيضاً لأن هناك أعمالاً تتطلبها حركة الوجود ويقوم بها أناس في أثناء الليل لذلك ينامون بالنهار . ويتوفانا سبحانه بالليل ويعلم ما جرحنا في أثناء النهار ، ثم يرسلنا إلى أجل يعلمه هو سبحانه ، ثم يبعثنا في يوم القيامة لينبئنا بكل أعمالنا . وسمّى الحق النوم وفاة ، وسمى الاستيقاظ بعثا لأن الإنسان في مثل هذه الأحوال لا يملك حركته الاختيارية . ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وقف ليعلن بعثته بعد ثلاث سنوات من الدعوة سرّاً : " إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد إنكم لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون ، ولتجزون بالإحسان إحساناً ، وبالسوء سوءاً ، وإنها لجنة أبداً أو لنار أبداً " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم فقال : " يا صباحاه " فاجتمعت إليه قريش قالوا : مالك ؟ قال أرأيتم لو أخبرتكم أن العدوّ يصبّحكم أو يمسّيكم أما كنتم تصدقوني ؟ قالوا : بلى ، قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب : تباً لك ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله سبحانه : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } " . والحق سبحانه إما أن يشل الجوارح ويعطلها ويمنعها من الحركة ، أو يأخذ الروح من الجسد ، فعندما يشل الجوارح ويمنعها ينام الإنسان ، وعندما يأخذ الروح ويمسكها يحدث الموت . ولذلك يجب أن نفهم أن للنوم قانوناً ، ولليقظة قانوناً ، وللموت قانوناً ، ولكل قانون قواعده ، فلا قانون اليقظة كقانون النوم ، ولا قانون النوم كقانون الموت ، ولا قانون البعث كقانون الموت . فهناك يقظة ، ونوم ، وموت وبعث ، ومن الخطأ أن نأخذ قانون حالةٍ ما لنطبقه على الحالة الأخرى . إن الحق يضرب لنا المثل الواضح فينا : فالإنسان منا له حالة من اليقظة تسيطر الروح فيها على حركته الاختيارية ، وعندما ينام تعجز الروح عن الحركة الاختيارية وتبقى الحركات الاضطرارية . فعندما ينام الإنسان قد يرى بعضاً من الرؤى والأحلام يقابل فلانا ويراه مرتدياً زياً معيناً بألوان معينة ، فبأي شيء أدرك الألوان وعيونه مغمضة ؟ ، إذن فهناك وسائل إدراك غير العين . وكذلك الزمن يأخذ حظه في أثناء اليقظة ، لكن في أثناء النوم يرى الإنسان حلماً في سبع ثوان ويحكيه في نصف ساعة . وقد ينام اثنان في فراش واحد ، أحدهما يحلم بأنه التقى بالأحباب والأصحاب ويأكل ويشرب ويسعد ويأنس ، والآخر يحلم بأنه التقى بأعدائه وعانى منهم ومن عراكه معهم ، إذن فالزمن اختلف وكذلك المعيّة . وهكذا اختلف قانون النوم عن قانون اليقظة . وكذلك يختلف قانون الموت عن قانون الحياة : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الأنعام : 60 ] . والجارحة كما قلنا هي التي تعمل ليكسب الإنسان . إذن فقد جاء لنا الحق بكل حالات اليقظة والنوم والموت والبعث . ولكل حالة قانونها ، ونحن نعرف قانون اليقظة وقانون النوم لأننا نتعرض لهما ، فإذا قيل لنا : إن هناك قانوناً للموت فنحن نقيس ذلك على ترقي القوانين من اليقظة إلى النوم ، وعندما يقال لنا : إن هناك بعثاً فنحن نصدق أيضاً . ويقول الحق من بعد ذلك : { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ … } .