Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 62-62)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وكلمة " ردوا " تفيد أن كان لهم التقاء به أولا ، وبعد ذلك سوف يرجعون ، كيف ؟ لقد كانوا منه إيجاداً ثم ردوا إليه حسابا ثوابا وعقابا لأن الحق سبحانه وتعالى هو القائل : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ … } [ طه : 55 ] . { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } وكلمة " مولى " تعني أنه هو الذي يليك ، ولا يليك إلا من هو قريب منك . وهذا القريب قد يكون منْجدا لك إن حدث لك ما يفزعك وهو الذي يُعينك ، وهكذا أخذت كلمة " مولى " معنى القريب ، والناصر والمعين الذي تفزع إليه في شدائدك ، وقد يوجد لك مولى في الدنيا وهو من الأغيار . ومن الجائز أن يتغير قلبه عليك ، ومن الجائز أن تنالك الأحداث التي هي فوق قدرته وطاقته ، ومن الجائز أن يكون لك مولى تنشده وتطلبه لنصرتك فيرفض لأن خصْمك له بهذا المولى ولاء أقوى وأشد فيقف بجانب خصمك وقد يوهمك أنه معك لكن قلبه ليس معك . لكن هناك في الآخرة مولى حق واحد { رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } وتطلق كلمة " موْلى " على السيد حين يعتق عبده . وحين يعتقنا ربنا من النار أليس في ذلك أعظم ولاية ؟ . إنه المولى الحق ، فلا توجد قوة أعلى منه وهو لا يتغير لأن الأغيار من طبيعة الخلق . وحين يطلب منك الحق أن تُعمل عقلك لأنك حين تعتمد على واحد ينفعك في أمورك فأنت تتوكل عليه ، وتطلب مساعدته ، وهنا يأمرك الحق بأن تتوكل على الحي الذي لا يموت ، ولا تتكل على واحد من الأغيار فقد يصبح الصباح فتجده قد خلا بك وتخلىّ عنك . أما إذا كان مولاك هو الحق فلن يخذلك . { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ } . ولماذا جاء بكلمة " الحكم " هنا ؟ لأننا في دنيا الأغيار قد يسند سبحانه بعض الأحكام إلى بعض خلقه فهذا يحكم ، وذلك يتصرف ، وآخر يصدر قراراً بالتعيينات ، وكلها أحكام ، أما في الآخرة فالحق يقول : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . وأنت في الدنيا تملك ، ويكون رزق ابنك - على سبيل المثال - من يدك ، وتملك أن تصدر قراراً بترقية من هو أقل منك ، وتملك أن تخيط الثوب لغيرك إن كانت تلك مهنتك ، ففي الدنيا كل منا يملك بعضاً من أسباب الآخر . لكن في الآخرة لا يوجد شيء من هذا : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . وساعة تسمع " ألا له الحكم " فـ " ألا " في اللغة أداة تنبيه لما يأتي بعدها ، ولماذا تأتي أداة التنبيه هنا ؟ لأن الحكم القادم بعدها حكم مهم . والكلام - كما نعرف - واسطة بين متكلم ومستمع لأن المتكلم ينقل أفكاره وخواطره ومطلوباته إلى السامع . وهو قبل أن يتكلم يدير الأمر في رأسه : يتكلم أم لا ؟ لكن السامع يفاجأ بكلام المتكلم ، والمتكلم قبل أن ينقل خواطره توجد في خياله نسبة ذهنية ، أي أنه يعايش مشروع الكلام ويتدبره قبل أن يتكلم ، أما السامع فهو يفاجأ ، وعندما تريد أن تقول أمراً مُهمٍّا فأنت تحاول أن تضمن انتباه السامع حتى لا تفلت منه أية جزئية من كلامك ، فتقول : " ألا " لتشد انتباه السامع تماماً . والحق هنا يقول : " ألا " ليأخذ انتباه السامع ، ويأتي بعدها قوله : { لَهُ ٱلْحُكْمُ } . إذن : ساعة تسمع " ألا " فأعرف أن فيها تنبيهاً لأمر قادم { أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ } . والحكم : هو الفصل بين أمرين ، ويختلف الفصل بين أمرين باختلاف الحاكم فإن كان الحاكم له هوى فالحكم يميل ، لكن الفصل بين الأمرين يجب أن يكون بلا هوى ، فالحكم بالميزان يقتضي أن تكون له كفة هنا وكفة تقابلها ، وساعة ما نضبط الميزان نحاول أن نوازن الكفتين لنفصل بين مسألتين ملتحمتين ، وما دمنا نريد التساوي فنحن نسمي ذلك : الإنصاف ، أي أن نقف في النصف دون ميل أو حيْف . { أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَاسِبِينَ } وساعة يسمع إنسان { أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ } فالواحد منا يعلم أنه سبحانه يحكم بين الخلق بداية من آدم إلى أن تنتهي الدنيا ، وكل واحد منا تتشابك مسائله مع غيره ، وما دام لله الحكم فليس لغيره معه حكم ، ويحكم بين الخلق جميعاً وفعله لا يحتاج إلى زمن ، ونتذكر هنا الإمام عليّا - كَرمّ الله وجهه - حين قالوا له : كيف يحاسب ربنا الناس جميعا في وقت واحد ، وبمقدار حلب شاة كما قال بعضهم ؟ فقال الإمام عليّ : " كما يرزقهم في وقت واحد يحاسبهم في وقت واحد " ، وهذه مسألة سهلة ليس فيها أدنى صعوبة أبداً . وقديماً عندما كانوا ينيرون الطرقات كانوا يشعلون المسارج : هنا مسرجة ، وهناك مسرجة ، وعلى البعد مسرجة ثالثة ، وكان الوقاد يمشي ليشعل المسارج … إلخ ، وارتقى العقل البشري المخلوق لله واستطاع أن ينير الطرقات بالطاقة الكهربائية أو الطاقة الشمسية وفي وقت واحد . ويقول الحق بعد ذلك : { قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ … } .