Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 65-65)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وكلمة " قادر " تعني تمام التمكن وأنه لا قدرة ولا حيلة لأحد حيال قدرة الله لأن الحق سبحانه وتعالى يملي للقوم الظالمين ويمد لهم الأمر ثم يأخذهم بغتة بالعذاب ، وقد يأتي العذاب من فوقهم كما جاء لقوم أبرهة الذين أرادوا هدم الكعبة ، فسلط عليهم طيراً أبابيل ، ترميهم بحجارة من سجيل ، جعلتهم كعصف مأكول ، وهناك من أخذهم الحق بالصيحة ، وهناك من أهلكهم بريح صرصر عاتية ، وكل ذلك عذاب جاء من فوق تلك الأقوام . أما قارون فقد خسف الله به وبداره الأرض ، وكذلك قوم فرعون أغرقتهم المياه ، وهذه هي التحتية . فالعذاب قد يأتي من فوق أو من تحت الأرجل حسّياً ، وقد يأتي أيضاً من فوقيّة أو تحتيّة معنوية ، ومثال ذلك العذاب الذي يسلطه الله على الطغاة الكبار المستبدين ، وقد يأتي العذاب من الفئات الفقيرة التي تعيش أسفل السلم الاجتماعي . { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } [ الأنعام : 65 ] . والمقصود بلبس الأمر أي خلطه بصورة لا يتبينها الرائي . و " شيعاً " هي جمع " شيعة " . والشيعة هم : المتعاونون على أمر ولو كان باطلا ، ويجمعهم عليه كلمة واحدة وحركة واحدة وغاية واحدة . والمقصود بقوله الحق : { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } أي أن كل جماعة منكم تتفرق ويكون لكل منهم أمير ، وتختلط الأمور بين الاختلافات المذهبية التي تختفي وراء الأهواء ، وبذلك يذيق الله الناس بأس بعضهم بعضاً . ولماذا كل ذلك ؟ لأن الناس ما دامت فد انفرطت عن منهج الله نجد الحق يترك بعضهم لبعض ويتولى كل قوم إذاقة غيرهم العذاب . ولكن أُغيّر ذلك في ملك الله ونواميسه الثابتة من شيء ؟ أبداً ، فالسماء هي السماء ، والأرض بعناصرها هي الأرض ، والشمس هي الشمس ، والقمر هو القمر ، والنجوم هي النجوم ، والمطر هو المطر . إن الذي يحدث فقط هو أن يذيق الله الناس بعضهم بأس بعض ، ويصير كل بعض من الناس ظالماً للبعض الآخر . وعندما نرى الناس تشكو ، نعلم أن الناس كلها مذنبة ، ومادام الكل قد أذنب وخرج عن منهج الله فلا بد أن يسلط الحق بعضنا على بعض حتى يعرف الجميع أنهم قد انفلتوا عن منهج الله لذلك يلقون المتاعب ، ولن يرتاحوا إلا إذا عادوا إلى أحضان منهج الله لأن منهج الله يمنع أن يتكبر إنسان مؤمن على أخيه المؤمن . والكل يسجد لإله واحد . ولهذا وضع الحق لنا العبادات الجماعية حتى يرى الضعيف في سلطان الدنيا القوي في السلطان وهو يشترك معه في السجود للإله الواحد . مثال ذلك ما نراه من طواف الناس حول الكعبة في ملابس الإحرام ، إن من بين الذين يطوفون قوما من وجهاء الناس وأصحاب الرتب العالية والمنازل الرفيعة ، ومن بين هؤلاء أيضاً نجد الذين لا يحتلون إلا المكانة الضئيلة ، ويرى الضعيف نفسه مساوياً لمن في المركز الاجتماعي القوي . الكل يقف أمام ربّه وهو ذليل ويمسك بأستار الكعبة باكياً . ويريد سبحانه بذلك استطراق العبودية ، ويذل الإنسان المؤمن أمام الله وأمام الناس حتى ينمحي الغرور بين المؤمنين ويكون الناس جميعا أمام الله وفي بيته على سواء . { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } [ الأنعام : 65 ] . وها نحن أولاء نرى كيف أن الحق يلبس الناس شيعاً ، إننا نرى المنسوبين إلى الإسلام يذبح بعضهم بعضاً لسنوات طويلة . وإذا كان هؤلاء وأولئك طائفتين مؤمنتين تتقاتلان فأين الطائفة الثالثة التي تفصل بين الطائفتين مصداقاً لقوله الحق : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } [ الحجرات : 9 ] . ها هوذا الدم المنسوب إلى الإسلام يسيل ، ويزداد عدد الضحايا ، ومن العجيب أن الآخرين يقفون موقف المتفرج ، أو يمدون كل طائفة بأدوات الدمار . وذلك يدل على أن المسألة طامة وعامة . والقاعدة التي قلناها من قبل لا تتغير ، القاعدة أنه لا يوجد صراع بين حقين لأنه لا يوجد في الأمر الواحد إلا حق واحد . ولا يطول أبداً الصراع بين الحق والباطل لأن الباطل زهوق وزائل . ولكن الصراع إنما يطول بين باطلين لأن أحدهما ليس أولى من الآخر بأن ينصره الله . ومثال آخر كنا نراه في بلد كلبنان - إبان الحرب الأهلية - وكان الصراع الدائر هناك يكاد يوضح لنا أن كل فرد صار طائفة بمفرده ، وكل إنسان منهم له هواه ، وكل إنسان يذيق غيره العذاب ويذوق من غيره العذاب . { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } [ الأنعام : 65 ] . وينوع سبحانه الحجج والبراهين ويأتي لهم بالأحداث والنوازل حتى يتبين للجميع أنه لا راحة أبداً في الانفلات عن منهج الله حتى يفقهوا . والفقه هو شدة الفهم . والمقصود أن نأخذ ونتفهم العظة من كل الآيات التي يجريها الحق أمامنا عسانا نرجع إلى مراد الله . ويقول الحق بعد ذلك : { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل … } .