Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 90-90)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
و " هدى الله " هنا أيضا هو هداية دلالة ، وهداية معونة بدليل أنه قال : { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } والخطاب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن " أولاء " أي المشار إليهم هم المتقدمون ، و " الكاف " خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } وحين نقرأ هذا القول الكريم نقول " اقتد " ولا نقول " اقتده " ولا تنطق الهاء إلا في الوقف ويسمونها " هاء السّكت " ، لكن إذا جاءت في الوصل لا ينطق بها ، وكل واحد من هؤلاء الرسل السابق ذِكْرهم له خصلة تميز بها ، وفيه قدر مشترك بين الجميع وهو إخلاص العبودية لله والإيمان بالله وأنّه واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ، وكلهم مشتركون في هذه الأصول ، وتميّز كل منهم بخصلة في الخير فسيدنا سليمان وداود أخذا القدرة والسلطان والملك ، وأيوب أخذ القدرة في الصبر على البلاء ، ويوسف أخذ القدرة في الصبر والتفوق في الحُكم ، وسيدنا يونس أخذ القدرة كضارع إلى الله وهو في بطن الحوت ، وإسماعيل كان صادق الوعد . والمطلوب إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون مُقتدياً بهم جميعاً ، أي أن يكون كسليمان وكداود وكإسحاق وكيعقوب وكأيوب وكيوسف وكيونس . وأن يأخذ خصلة التميز من كل واحد فيهم وأن يشترك معهم في القضية العامة وهي التوحيد لله . وبذلك يجتمع كل التميز الذي في جميع الأنبياء في سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإذا أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً من ربه فلا بد أن نعتقد أنه صلى الله عليه وسلم قد نفذ الأمر ، وما دام أنه صلى الله عليه وسلم قد اجتمعت فيه مزايا الأنبياء فحق له أن يكون خاتم النبيين والمرسلين . { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ } [ الأنعام : 90 ] . ولماذا يُطْلَب الأجر ؟ أنت لا تطلب أجراً ممن فعلت أمامه أو له عملاً إلا إذا كان العمل الذي فعلته يعطيه منفعة تستحق أن تُعطي وتُمنح عليه أجراً ، فكأن ما يؤديه صلى الله عليه وسلم إلى الأمة كان يستحق عليه أجراً ، لكنه صلى الله عليه وسلم يبلغ عن ربّه : قل لهم : إنك نزلت عن هذا الأجر . وقارنوا بين مَن يقدم لأي واحد منكم منفعة قد لا تأخذ من وقته نصف ساعة في جزئية من جزئيات الحياة ، ومن يقوم بعمل ينفعكم في مدًى يتعدى الدنيا إلى أن يصل إلى الآخرة ثم يقول : أنا لا أريد منكم أجراً . وعدم طلب الأجر حصل من كل الرسل إلا رسولين اثنين فلم يرد في القرآن أن قالاها ، وإذا ما جئت لسورة الشعراء مثلاً تجد أن الحق تكلم عن موسى ، وتكلم عن إبراهيم ، ثم تكلم بعد ذلك عن بقية الرسل ولم تأت كلمة الأجر في قصة إبراهيم وكذلك في قصة موسى عليهما السلام . لكن جاء ذكر الأجر في غيرهما ، يقول سبحانه : { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 106 - 109 ] . وقال جل شأنه : { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 177 - 180 ] . وعندما تستقرئ سورة الشعراء تجد الأنبياء كلهم ، وتجد مع قول كل منهم { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } ، إلا سيدنا موسى ، وسيدنا إبراهيم . لماذا ؟ ونقول : إن من ينزل عن الأجر ، هو من يقدم لهم منفعة . وفي موسى عليه السلام نجد أنّه قد وجهت وقدمت وسيقت له المنفعة من فرعون الذي قام بتربيته ، كأنه قد أخذ الأجر مقدماً ، لذلك لم يقل موسى لفرعون " لا أسألك أجراً " لأن القرآن جاء بقول فرعون : { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } [ الشعراء : 18 ] . وكذلك لم تأت مسألة الأجر في قصة سيدنا إبراهيم لأنه خاطب أباه آزر ، ولم يكن من المقبول أن يقول له : " لا أسألك أجرا " . وهكذا انطمست مسألة الأجر في قصة سيدنا إبراهيم وقصة سيدنا موسى ، وبقيت فيما عداهما ، مما يدل على أن القرآن موضوع بأدق تفاصيله بحكمة لأن من يتكلم هو ربنا . ويمتاز سيدنا رسول الله أيضا ويقول : " لا أسألكم أجراً " إلا آية واحدة استثنى فيها هذا النفي : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } [ الشورى : 23 ] . والمودة هي فعل الخير الناشئ عن محبة قلب ، أما فعل الخير الذي لا ينبع من محبة في القلب فهو فعل معروف لأن المعروف يضعه الإنسان مع من يُحب ومن لا يُحب . ولذلك قال ربنا : { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } [ لقمان : 15 ] . المعروف - إذن - هو عمل امتداده خير سطحي . والرسول حين يطلب المودة في القربى فهل هي قُرباه صلى الله عليه وسلم أو المودة في قُرباكم ؟ هي القُربى على إطلاقها ، وهي القُربى أيضا للمتكلم وهو الرسول الذي يبلغ عن الله . وإن صُنِّفت على أنها " إلا المودة في القُربى " أي القربى للمتكلم وهو سيدنا رسول الله لما استطعنا أن نُوفيه أجراً . أما حين يتحمل كل واحد منا مجالاً من الخير والمعروف في قومه ، هنا تتلاحم دوائر الخير في الناس جميعاً . ويذيل الحق الآية بقوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ } وهي ما تعطينا اجتماع الدوائر ويصير كل واحد مُهْتَماً بأقاربه ويتنازع الناس ويتنافسون في مودة القُربى ، وكل منهم يحرص على أن يوسع دائرة القربى . هنا يعم الخير ويدوم الود ويقول الحق بعد ذلك : { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ … } .