Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 105-105)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فأي هذه الأمور هو الذي يحتاج إلى بينة ، هل البلاغ بأنه رسول من رب العالمين ؟ إن هذا القول يدلنا على أن موسى اختلف مع فرعون أولاً في أن موسى رسول ، وأن للعالمين رباً واحداً ، وأنه لا يبلغ إلا بالحق ، هذه - إذن - ثلاث قضايا خلافية بين موسى وفرعون ، ولكن فرعون لم يختلف مع موسى إلا في قضية واحدة هي : هل هو رسول مبلغ عن الله بالقول الحق ؟ فماذا طلب منه ؟ طلب الدليل على أنه رسول من رب العالمين . وهذا يوضح أن فرعون يعلم أن العالم له رب أعلى . كذلك فإن فرعون لم يقف مع موسى في مسألة أن للعالمين ربّاً ، وأن هذا الرب لا يستطيع كل إنسان أن يفهم مراده منه فلابد أن يرسل رسولاً ، بل وقف فرعون في مسألة : هل موسى رسول مبلغ عن الله أولا ؟ ولذلك يقول موسى : { حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الأعراف : 105 ] . كأن مهمة موسى عند فرعون أن يخلص بني إسرائيل . ونعرف أن قصة بني إسرائيل ناشئة من أيام نبي الله يعقوب وابنه يوسف حين كاد الإخوة لأخيهم يوسف ، وتشاوروا في أمر قتله أو طرحه أرضاً أو إلقائه في غيابة الجب ، لقد جاء الحق بقصة بني إسرائيل على مراحل لنتدرج بالانفعال معها . فمراحل الانفعال النفسي أمام من تكره تأخذ صورتين اثنتين : صورة تدل على تصعيد الرحمة في قلبك ، وصورة تدل على تصعيد الشر في قلبك ، مثال ذلك : لنفترض أن لك خصماً وصنع فيك مكيدة ، وتحكي أنت لإِخوانك ما فعله هذا الخصم ، وكيف أنك تريد الانتقام منه فتقول : أريد أن انتقم منه بضربه صفعتين ، ثم تصعد الشر فتقول : أنا أريد أن أقتله بالرصاص ، هذا شأن الشرير ، أما الخيّر فيقول : أنا لا أريد أن أقتله أو أصفعه أو أشتمه وأسبّه فهذا تصعيد في الخير . إذن . يختلف تصعيد الانتقام أو السماح حسب طاقة الخير أو الشر التي في النفس . وهكذا نجد إخوة يوسف وهم يكيدون له ، فقالوا : { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ … } [ يوسف : 8 ] . هم يعترفون أنهم قوة وعصبة ، ويحسدون يوسف وأخاه على محبة الأب لهما ، ويعترضون على ذلك ، ويظهرون البينة على أن يوسف وأخاه أحب إلى الأب منهم ، وذكر القرآن هذه البينة لنعرف أهميتها ، حتى لا يغفل أحد عنها . لقد كان قلب نبي الله يعقوب مع يوسف وأخيه لصغرهما وضعفهما ، بينما بقية أبنائه كبار أقوياء أشداء لأن الله سبحانه وتعالى وضع في قلب الأبوة والأمومة من الرحمة على قدر ضعف الوليد الصغير . فالصغير هو من يحتاج إلى رعاية وعناية ، ويكون قلب الأم والأب مع الابن المريض أو الغائب . ولذلك حينما سئلت امرأة حكيمة : من أحب بنيك إليك ؟ قالت : الصغير حتى يكبر ، والغائب حتى يعود ، والمريض حتى يشفى . إذن فقول إخوة يوسف : { وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } . هو بينة ضدهم . وكان المنطق يقتضى أن يعرفوا أنهم ما داموا عصبة فلا بد أن يكون قلب أبيهم مع يوسف وأخيه فكلاهما كان صغيراً ويحتاج إلى رعاية ، وبطبيعة تكوين أبناء يعقوب كأسباط وذريّة أنبياء ، نجدهم يصعدون الخير لا الشر ، فقد بدأوا بإعلان رغبة القتل ، ثم استبدلوا بها الطرح أرضاً بأن يلقوه في أرض بعيدة نائية ليستريحوا منه ويخلو لهم وجه أبيهم ، ثم استبدلوا بها إلقاءه في غياهب الجب بدأوا بالقتل في لحظة عنفوان الغضب ثم تنازلوا عن القتل بالطرح أرضاً ، أي أن يتركوه في مكان يكون فيه عرضة لأن يضل ، ثم تنازلوا عن ذلك واكتفوا بإلقائه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة ، فهل كانوا يريدون أن يضروه ، أو كانوا يفكرون في نجاته ؟ . إذن فهذا تصعيد للخير . وتوالت الأحداث مع سيدنا يوسف واستقر معه بنو إسرائيل في مصر وكثرت أعدادهم . وعندما نستقرئ التاريخ ، نجد أن الحق سبحانه وتعالى حينما تكلم عن ملوك مصر ، خص بعضهم باسم فرعون ، وخص بعضهم باسم ملك ، فهناك فرعون وهناك ملك . فإذا ما نظرت إلى القديم نجد أن الحق يقول : { وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } [ الفجر : 10 ] . هكذا نجد الحق يسمى حاكم مصر " فرعون " وفي أيام سيدنا موسى أيضاً يسميه الحق فرعون . لكن في أيام يوسف عليه السلام لم يسمه فرعون ، بل سمَّاه ملكاً : { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ … } [ يوسف : 50 ] . وبعد أن اكتشف العالم الفرنسي شامبليون - حجر رشيد - عرفنا أن الفترة التي دخل فيها سيدنا يوسف مصر ، لم يكن الفراعنة هم الذين يحكمون مصر ، بل كان الحكام هم ملوك الهكسوس الرعاة ، وطمر القرآن هذه الحقيقة التاريخية حين سمى حكام مصر قبل يوسف فراعين ، وفي الفترة التي جاء فيها سيدنا يوسف سماهم " الملوك " ، وهؤلاء هم من أغاروا على مصر وحكموها وساعدهم بنو إسرائيل وخدموهم ، وقاموا على مصالحهم ، وبعد أن طرد المصريون الهكسوس التفت الفراعنة بالشّر إلى من أعان الهكسوس فبدأوا في استذلال بني إسرائيل لمساعدتهم الهكسوس إبَّان حكمهم مصر . وأراد الله أن يخلصهم بواسطة موسى عليه السلام ، ولذلك يقول الحق على لسان موسى : { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الأعراف : 104 - 105 ] . كأن موسى يريد أن يخلص بني إسرائيل ، أما مسألة الألوهية وربوبية فرعون فقد جاءت عرضاً . ويقول فرعون : { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ … } .