Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 117-117)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولماذا احتاجت هذه المسألة إلى وحي جديد خصوصاً أنه قد سبق أن تم تدريب موسى على إلقاء العصا ؟ . ونقول : فيه فرق بين التعليم للإعداد لما يكون ، والتنفيذ ساعة يكون ، فساعة يأتي أمر التنفيذ يجيء الحق بأمر جديد ، فربما يكون قد دخل على بشرية موسى شيء من السحر العظيم ، والاسترهاب ، هذا ونعلم أن قصة موسى عليه السلام فيها عجائب كثيرة . فقد كان فرعون يقتل الذكران ، ويستحيي النساء ، وأراد ربنا ألا يُقتل موسى فقال سبحانه : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ … } [ القصص : 7 ] . وقوله سبحانه : { أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } يدل على أن العملية المخوفة لم تأت بعد ، بل ستأتي لاحقاً . وهات أيَّة امرأة وقل لها : إن كنت خائفة على ابنك من أمر ما فارميه في البحر . من المؤكد أنها لن تصدقك ، بل ستسخر منك لأنها ستتساءل : كيف أنجيه من موت مظنون إلى موت محقق ؟ . وهذا هو الأمر الطبيعي ، لكن نحن هنا أمام وارد من الله إلى خلق الله ، ووارد الله لا يصادمه شك . إذن فالخاطر والإِلهام إذا جاء من الله لا يزاحمهما شيء قط . ولا يطلب الإِنسان عليه دليلاً لأن نفسه قد اطمأنت إليه لذلك ألقت أم موسى برضيعها في البحر . ويقدّر الله أنها أم فيقول : { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ … } [ القصص : 7 ] . ولن يرده إليها فقط ، بل سيوكل إليه أمراً جللاً . { وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ القصص : 7 ] . وكأن الحق سبحانه يوضح لأم موسى أن ابنها لن يعيش من أجلها فقط ، بل إن له مهمة أخرى في الحياة فسيكون رسولاً من الله . فإذا لم تكن السماء ستحافظ عليه لأجل خاطر الأم وعواطفها ، فإن السماء ستحفظه لأن له مهمة أساسية { وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } . ونلحظ أن الحق هنا لم يأت بسيرة التابوت لكنه في آية ثانية يقول : { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ * أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ … } [ طه : 38 - 39 ] . ولم يقل في هذه الآية : { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي } لأنه أوضح لها ما سوف يحدث من إلقاء اليم له بالساحل . وقوله في الأولى : { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } . هو إعداد للحدث قبل أن يجيء ، وفي هذه الآية : { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ … } إلخ … تجد اللقطات سريعة متتابعة لتعبر عن التصرف لحظة الخطر . لكن في الآية الأولى : { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } نجد البطء والهدوء والرتابة لأنها تحكي عن الإِعداد . لما يكون . إذن فالحق سبحانه وتعالى يعطي كل جنس قانوناً ، وكل قانون يجب أن يُحترم في نطاقه ، لأن تكافؤ الفرص بين الأجناس هو الذي يريده الله . وحينما أراد سبحانه وتعالى أن يبين لنا هذه المسألة أوضح أن على المؤمن أن ينظر إلى المعطيات من وراء التكاليف ، وفي آية الدّيْن - على سبيل المثال - نجد الحق يوصي المقترض " المدين " - وهو الضعيف - أن يكتب الدَّيْن ، ويعطي بذلك إقراراً للدائن وهو القوي القادر فيقول سبحانه : { وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ … } [ البقرة : 282 ] . والمسألة هنا في ظاهر الأمر أنه يحمي الدائن ونقوده ، لكن علينا أن ننتبه إلى أنه يحمي المدين من نفسه لأن الدَّيْن إن لم يكن موثقاً فالمدين لن يبذل الجهد الكافي للسداد ، وباجتهاد المدين نفيد الوجود بطاقة فاعلة . ولكن إن لم نوثق الدَّيْن ، وتكاسل المدين عن العمل والسداد فقد تشيع الفوضى في المجتمع ويرفض كل إنسان أن يقرض أحداً ما يحتاج إليه . وبذلك تفسد الأمور الاقتصادية . إذن فسبحانه حين يأمر بتوثيق الدَّيْن ، وإن كان في ظاهر الأمر حماية للدائن . لكنّه في باطن الأمر يحمي سبحانه المدين ، لأن هناك فرقاً بين ساعة التحمل للحكم ، وساعة أداء الحكم . مثال ذلك حين يأتيك إنسان قائلاً : أنا عندي ألف جنيه وخائف أن يضيع مني فخذه أمانة عندك إلى أن أحتاج إليه ، وبذلك يكون هذا الإِنسان قد استودعك أمانة ولا يوجد إيصال أو شهود ، والأمر مردود إلى أمانة المودَع عنده إن شاء أنكر ، وإن شاء أقر . ونجد من يقول لهذا الإِنسان : هات ما عندك . يقول ذلك وفي ذمته ونيته أن صاحب الألف جنيه حين يأتي ليطلبه يعطيه له ، إنه يَعِدُ ذلك ساعة التحمل ، لكنه لا يضمن نفسه ساعة الأداء ، فقد تأتي له ظروف صعبة ساعة الأداء فيتعلل بالحجج ليبعد صاحب المال عنه . إذن هناك فرق بين حالة واستعداد حامل الأمانة ساعة التحمل وساعة الأداء لهذه الأمانة . والمؤمن الحق هو من يتذكر ساعة التحمل والأداء معاً ، إنّ بعض الناس يرفض تحمل الأمانة ليزيل عن نفسه عبء الأداء . والذي يتعلم شيئاً يناقض ناموس وجوده كتعلم السحر نقول له : احذر أن تُبتلى وتُفتن ، بل ابتعد واحفظ نفسك ولا تستعمل ذلك ، واحذر أن تقول أنا سأستعمل ما تعلمته من سحر في الخير ، ومن يأتي لي وهو في أزمة سوف أحلها له بالسحر . ونقول : لهذا الإِنسان : أنت تتكلم عن وقت التحمل ، ولكنك لا تتكلم عن وقت الأداء . ويقول الحق سبحانه : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } [ الأعراف : 117 ] . والإِفك هو قلب الشيء على وجهه ، ومنه الكذب . وعلمنا من قبل أن كل شيء له نسبة كلامية وله نسبة واقعية ، فإذا قلت مثلاً " محمد مجتهد " فهذه نسبة كلامية ، لكن أيوجد واحد في الواقع اسمه محمد وموثوق في اجتهاده ؟ . إن كان الأمر كذلك فقد وافقت النسبة الكلامية النسبة الواقعية ، ويكون الكلام هو الصدق ، أما الكذب فهو أن تقول " محمد مجتهد " ولا يوجد إنسان اسمه محمد ، وإن كان موجوداً فهو غير مجتهد ، ويكون الكلام كذباً لأن النسبة الكلامية خالفت النسبة الواقعية ، وحين يكذب أحد فهو يقلب المسألة ونسمى ذلك كذباً ، وشدة الكذب تسمى إفكاً . أو الكذب ألا يكون هناك تطابق ، وإن لم تكن تعلم ، والإِفك أن تتعمد الكذب ، وهذا أيضاً افتراء . { أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } . وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى : { فَإِذَا } وهي تعبر عن الفجائية حيث ابتلعت عصا موسى - بعد أن صارت حية - ما أتى السحرة وجاءوا به من الكذب والإِفك وسحروا به أعين الناس . ويقول سبحانه بعد ذلك : { فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ … } .