Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 138-138)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لقد قالوا ذلك وهم ما زالوا مغمورين في نعم الله إنجاء من عدو ، واستخلافاً في الأرض ، ومع ذلك بمجرد أن طلعوا إلى البر ورأوا جماعة يعبدون صنماً طالبوا موسى أن يجعل لهم صنماً يعبدونه . لقد حسدوا من يجهلون قيمة الإِيمان ويعكفون على عبادة الأصنام ، ويعكف تعني أن يقيم إقامة لازمة ، ومنه الاعتكاف في المسجد ، أي الانقطاع عن حركة الحياة خارج المسجد إلى عبادة الله في بيته . { يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ … } [ الأعراف : 138 ] . وهذا القول من قوم موسى هو قمة الغباء ، كأن الإِله بالنسبة لهم مجهول على رغم أنه قد أسبغ عليهم من النعم الكثير ، وهذه أول خيبة ، وهم يريدون أن يكون الإِله مجعولاً برغم أن الإِله بكمالاته وطلاقة قدرته جاعل ، ولكن عقيلتهم لم تستوعب النعم الغامرة وقلوبهم مغلقة لم يعمها الإِيمان . وقالوا : اجعل لنا إلهاً ! وأرادوا أن ينحت لهم الأصنام ، وقد يقول واحد منهم : رأس الإِله كبيرة قليلاً صغّرها بعض الشيء ، وأنفه غير مستقيمة فلنعدلها بالإِزميل ، وقولهم : { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً } . وهذا ما يجعلنا نفهم أن عقولهم لم تستوعب حقيقة الإِيمان لذلك يقول لهم موسى : { إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } . ولم يقل لهم : " لا تعلمون " بل قال : " تجهلون " لأن هناك فارقاً بين عدم العلم بالشيء ، وبين الجهل بالشيء ، فعدم العلم يعني أن الذهن قد يكون خالياً من أي قضية ، أما " الجهل " فهو يعني أن تعلم مناقضاً للقضية ، إذن فهناك قضية يعتقدها الجاهل ولكنها غير واقعية . أما الذي لا يعلم فليس في باله قضية ، وحين تأتي له القضية يقتنع بها ، ولا يحتاج ذلك إلى عملية عقلية واحدة مثل الأمي مثلاً الذي لا يعلم ، لأن ذهنه خال من قضية ، أما الذي يعلم قضية مخالفة فهو يحتاج من الرسول إلى عمليتين عقليتين : الأولى أن يخرج ما في نفسه من قضية الجهل ، والثانية أن يعطي له القضية الجديدة ، إن الذي يرهق العالم هم الجهلاء لا الأميون ، لأن الأمي حين تعطي له المعلومة فليس عنده ما يناقضها . لكن الجاهل عنده ما يناقضها ويخالف الواقع . ويقول سبحانه بعد ذلك : { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ … } .