Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 173-173)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كأن الحق يريد أن يقطع عليهم حجة مخالفتهم لمنهج الله ، فينبه إلى عهد الفطرة والطبيعة والسجية المطمورة في كل إنسان حيث شهد كل كائن بأنه إلهٌ واحدٌ أحَدٌ ، ويذكرنا سبحانه بهذا العهد الفطري قبل أن توجد أغيار الشهوات فينا . { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] . وهل كان أحد من الذر وهو في علم الله وإرادته وقدرته يجرؤ على أن يقول : لا لست ربي ؟ . طبعاً هذا مستحيل ، وأجاب كل الذر بالفطرة " بلى " وهي تحمل نفي النفي ، ونفي النفي إثبات مثل قوله الحق : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } [ التين : 8 ] . و " أليس " للاستفهام عن النفي ولذلك يقال لنا : حين تسمع " أليس " عليك أن تقول " بلى " وبذلك تنفي النفي أي أثبت أنه لا يوجد أحكم الحاكمين غيره سبحانه ، وهنا يقول الحق : " ألست بربكم " ؟ وجاءت الإجابة : بلى شهدنا . ولماذا كل ذلك ؟ قال الحق ذلك ليؤكد لكل الخلق أنهم بالفطرة مؤمنون بأن الله هو الرب ، والذي جعلهم يغفلون عن هذه الفطرة تحرُّك شهواتهم في نطاق الاختيار ، ومع وجود الشهوات في نطاق الاختيار إن سألتهم من خلقهم ؟ يقولون : الله وما دام هو الذي خلقهم فهو ربهم . { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ العنكبوت : 61 ] . وجاء الحق بقصة هذه الشهادة حتى لا يقولَنَّ أحدُ : { إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ } وبذلك نعلم أن أعذار العاصين وأعذار الكافرين التي يتعللون ويعتذرون بها تنحصر في أمرين اثنين : الغفلة عن عهد الذر ، وتقليد الآباء . وما الغفلة ؟ وما التقليد ؟ . الغفلة قد لا يسبقها كفر أو معصية ، ويقلدها الناس الذين يأتون من بعد ذلك . والمثال الواضح أن سيدنا آدم عليه السلام قد أبلغ أولاده المنهج السوي المستقيم لكنهم غفلوا عنه ولم يعد من اللائق أن يقول واحد منهم إن أباه قد أشرك . ولكن جاء هذا الأمر من الغفلة ، ثم جاء إشراك الآباء في المرحلة الثانية لأن كل واحد لو قلد أباه في الإشراك لانتهى الشرك إلى آدم ، وآدم لم يكن مشركاً ، لكن الغفلة عن منهج الله المستقيم حدثت من بعض بني آدم ، وكانت هذه الغفلة نتيجة توهم أن هناك تكاليف شاقةً يتطلبها المنهج ، فذهب بعض من أبناء آدم إلى ما يحبون وتناسوا هذا المنهج ولم يعد في بؤرة شعورهم لأن الإنسان إنما ينفذ دائماً الموجود في بؤرة شعوره . أما الشيء الذي سيكلفه مَشقَّة فهو يحاول أن يتناساه ويغفل عنه ، هكذا كانت أول مرحلة من مراحل الانفصال عن منهج الله وهي الغفلة في آبائهم . وهنا يضاف عاملان اثنان : عامل الغفلة ، وعامل الأسوة في أهله وآبائه . ولم تكن القضايا الإيمانية في بؤرة الشعور ، ولذلك يقال : الغالب ألا ينسى أحد ما له ولكنه ينسى ما عليه لأن الإنسان يحفظ ما له عند غيره في بؤرة الشعور ، ويُخرج الإنسان ما عليه بعيداً عن بؤرة الشعور . ولأن البعض قد يتصور أن في التكليف الإِيماني مشقة ، لذلك فهو يحاول أن يبعد عنه وينساه ، وكذلك يحاول هذا البعض أن ينأى بنفسه عن هذه التكاليف . ونأخذ المثل من حياتنا : قد نجد إنساناً مَدِيناً لمحل بقالة أو لنجَّارٍ وليس عنده مال يعطيه له ، لذلك يحاول أن يبتعد عن محل هذا البقال ، أو أن يسير بعيدا عن أعين النجار . وهكذا يكون افتعال الغفلة في ظاهره هو أمراً مُنْجِياً من مشقات التكاليف ، لكن البشر في ميثاق الذر قالوا : { بَلَىٰ شَهِدْنَآ } [ الأعراف : 172 ] . وقد أُخِذَ ذلك العهدُ عليهم ، وأُقرُّوا به واستشهد الحقُّ بهم ، على أنفسهم حتى لا يقولوا يوم القيامه : { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } [ الأعراف : 172 ] لأنه لا يصح أن نغفل عن هذا العهد أبداً ، ولكنَّ الحقَّ تبارك وتعالى عرَفَ أنَّنا بشرٌ ، وقال في أبينا آدم : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } [ طه : 115 ] . وما دام آدم قد نسي ، فنسيانه يقع عليه حيث بيَّن وأوضح لنا الإسلام أن الأمم السابقة على الإسلام تؤخذ بالنسيان ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر واضح : فقال عليه الصلاة والسلام : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " والخطأ معلوم ، كأن يقصدَ الإنسانُ شيئاً ويحدث غيرهُ ، والنسيانُ ألاَّ يجيءَ الحكمُ على بال الإنسان . والمُكْرَهُ هو من يقهره من هُو أقْوى منه بفقدان حياته أو بتهديد حريته وتقييدها ما لم يفعل ما يؤمر به ، وفي الحالات الثلاث يرفع التكليف عن المسلم . وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله أكرم الأمة المحمدية بصفة خاصة برفْع ما ينساه المسلم . وهذا دليل على أن من عاشوا قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يؤاخذون به . وإذا سلسلنا من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نصل إلى سيدنا آدم الذي خُلق بيد الله المباشرة ، بينما نحن أبناء آدم مخلوقون بالقانون أن يوجد رجل وتوجد امرأة وتوجد علاقة زوجية فيأتي النسل . وقد كلف الله آدم في الجنة التي أعدها له ليتلقى التدريب على عمارة الأرض بأمر ونهي فقال له سبحانه وتعالى : { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } [ البقرة : 35 ] . إذن فقصارى كل تكليف هو أمر في " افعل " ، ونهي في " لا تفعل ، وقد نسي آدم التكليف في الأمر الواحد البسيط وهو المخلوق بيد الله والمكلف منه بأمر واحد أن يأكل حيث يشاء ويمتنع عن الأكل من الشجرة ، وإن لم يتذكر آدم ذلك ، فما الذي يتذكره ؟ وما كان يصح أن ينسى لأنه مخلوق بيد الله المباشرة ، ومكلف من الله مباشرة ، والتكليف وإن كان بأمرين لكن ظاهر العبء فيه على أمر واحد الأكل من حيث شاءا هو أمر لمصلحة آدم ، و " لا تقرب " هو تكليف واحد . - ولذلك قال الحق في آية أخرى : { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [ طه : 121 ] . وهو عصيان لأنه نسيان لأمر واحد ، ما كان يصح أن ينساه . لعدم تعدده ويقول الحق تبارك وتعالى : { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ الأعراف : 173 ] . جاء هذا القول لينبهنا إلى أن الغفلة لا يجب أن تكون أسوة لأن التكاليف شاقة ، والإنسان قد يسهو عنها فيورث هذا السهو إلى الأجيال اللاحقة فيقول الأبناء : { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ الأعراف : 173 ] . وهذا يعني أن إيمانهم هو إيمان المقلد ، رغم أن الحق قد أرسل لهم البلاغ ، وإذا كان الآباء مبطلين للبلاغ بالمنهج فلا يصح للأبناء أن يغفلوا عن صحيح الإيمان . ويقول الحق بعد ذلك : { وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ … } .