Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 17-17)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فالذي بين اليد هو ما كان إلى الإمام ، { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أي من الوراء ، { وعَنْ أَيْمَانِهِمْ } أي من جهة اليمين ، { وعَن شَمَآئِلِهِمْ } أي من جهة اليسار . والشيء الذي أمام العالم كله ، ونسير إليه جميعاً هو { ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } وحين يأتي الشيطان من الأمام فهو يشككهم في حكاية الآخرة ويشككهم في البعث . ويحاول أن يجعل الإِنسان غير مقبل على منهج الله ، فيصير من الذين لا يؤمنون بلقاء الله ، ويشكّون في وجود دار أخرى سيُجَازى فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته . وقد حدث ذلك ووجدنا من يقول القرآن بلسان حاله : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } [ الصافات : 16 - 17 ] . ولذلك يعرض الحق قضية البعث عرضاً لا يجعل للشيطان منفذاً فيها ، فيوضح لنا أنه سبحانه لم يعجز عن خلقنا أولاً لذلك لن يعجز عن إعادتنا ، والإِعادة بالتأكيد أهون من البداية لأنّه سيعيدهم من موجود ، لكن البداية كانت من عدم ، إنه - سبحانه - عندما بيَّن للناس أن الإِعادة أهون من البداية فهو يخاطبهم بما لا يجدون سبيلاً إلى إنكاره ، وإلاّ فالله - جل شأنه - تستوي لدى طلاقة قدرته كل الأعمال فليس لديه شيء سهل وهيّن وآخر صعب وشاق ويبلغنا - سبحانه - بتمام إحاطة علمه فيقول : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } [ ق : 4 ] . أي أن لكل واحدٍ كتاباً مكتوباً فيه كل عناصره وأجزائه . والشيطان - أيضاً - يأتي من الخلف ، وخلف كل واحد منا ذريته ، يخاف ضيعتهم ، فيوسوس الشيطان للبعض بالسرقة أو النهب أو الرشوة من أجل بقاء مستقبل الأبناء ، وفساد أناس كثيرين يأتي من هذه الناحية ، ومثل هذا الفساد يأتي حين يبلغ بعض الناس منصباً كبيراً ، وقد كبرت سنّه ، ويقبل على الله بشرّ ، ويظن أنه يترك عياله بخير . لكن إن كنت تخاف عليهم حقّاً فأمِّن عليهم في يد ربهم ، ولا تؤمِّن حياتهم في جهة ثانية . { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } [ النساء : 9 ] . ولماذا لم يأت الشيطان للإِنسان من فوق ومن تحت لأن الفوقية هي الجهة التي يلجأ إليها مستغيثاً ومستجيراً بربه ، والتحتية هي جهة العبودية الخاصة . فالعبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد ، فهو في هاتين الحالتين محفوظ من تسلط الشيطان عليه لأن الله تعالى يقول : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } . ويقول تعالى : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [ الأعراف : 17 ] . ويأتي الشيطان من اليمين ليزهد الناس ويصرفهم عن عمل الحسن والطاعة . واليمين رمز العمل الحسن لأن كاتب الحسنات على اليمين ، وكاتب السيئات على الشمال ، ويأتي عن شمائلهم ليغريهم بشهوات المعصية . ونلحظ أن الحق استخدم لفظ { عَنْ أَيْمَانِهِمْ } و { عَن شَمَآئِلِهِمْ } ولم يأت بـ " على " لأن " على " فيها استعلاء ، والشيطان ليس له استعلاء أبداً لأنه لا يملك قوة القهر فيمنع ، ولا قوة الحجة فيقنع . ولأن أكثر الناس لا تتذكر شكر المنعم عليهم ، فيجيد الشيطان غوايتهم . ولذلك يقول الحق تذييلاً للآية : { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [ الأعراف : 17 ] . ويقول الحق بعد ذلك : { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا … } .