Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 56-56)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الأرض هي مكان الخليفة وهو الإِنسان ، وفيها الأسباب الأصيلة لاستبقاء الحياة والسماء والأرض والشمس والهواء كلٌ مسخر لك . ولا تحتاج إلى تكليف فيه ، فلا أنت تقول : " يا شمس أشرقي " أو " يا هواء هب " فكل ذلك مسخر لك . وأنت مطالب ألا تفسد فيما لك فيه اختيار لأنك لا تستطيع أن تفسد قوانين الكون العليا ، لا تستطيع أن تغير مسار الشمس ولا مسار القمر ولا مسار الريح ، وأنت لن تستطيع إصلاح ما لا يمكن أن تقترب من إفساده ، لأن أمره ليس بيدك لأنه لا اختيار لك فيه . وإنما يأتي الإِفساد من ملكات الاختيار الموجودة فيك ، ولم يتركنا الله أحراراً فيها ، بل حددها بمنهج يحمي حركة الحياة بـ " افعل " و " لا تفعل " ، فإذا كان سبحانه قد أنزل قرآناً ، والقرآن فيه منهج يحمي اختيارك إذن فقد أعطاك عناصر الإِصلاح ولذلك يقول لك : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً … } [ الأعراف : 56 ] . وهنا يعود الحق مرة أخرى للحديث عن الدعاء ، فأولاً جاء بالأمر أن يكون الدعاء تضرعاً وخفية ، وهنا يوضح الحق سبيلاً ثانياً للدعاء : { وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً } . خوفاً من صفات جبروته وقهره ، وطمعاً في صفات غفرانه ورحمته لأن لله صفات جمال وصفات جلال ، وادعوه خوفاً من متعلقات صفات الجلال ، وطمعاً في متعلقات صفات الجمال . أو خوفاً من أن تُرد وطمعاً فيما أنت ترجو . { وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 56 ] . إذن من الذي يحدد قرب الرحمة منه ؟ إنه الإِنسان فإذا أحسن قربت منه الرحمة والزمام في يد الإِنسان لأن الله لا يفتئت ولا يستبد بأحد . فإذا كنت تريد أن تقرب منك رحمة الله فعليك بالإِحسان . { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } . ولذلك قلنا إن الحق سبحانه وتعالى يقول : " لا أملّ حتى تملّوا " [ من حديث قدسي ] . وأنت تدخل بيوت الله تصلى في أي وقت ، وتقف في أي مكان تؤدي الصلاة ، إذن فاستحضارك أمام ربك في يدك أنت ، وسبحانه حدد لك خمسة أوقات ، ولكن بقية الأوقات كلها في يدك ، وتستطيع أن تقف بين يدي الله في أي لحظة . وسبحانه يقول : " ومن جاءني يمشي أتيته هرولة " [ من حديث قدسي ] . وهو جل وعلا يوضح لك : استرح أنت وسآتي لك أنا لأن الجري قد يتعبك لكني لا يعتريني تعب ولا عي ولا عجز . وكأن الحق لا يطلب من العبد إلا أن يملك شعوراً بأنه يريد لقاء ربه . إذن فالمسألة كلها في يدك ، ويقول سبحانه : " من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " [ من حديث قدسي ] . وهكذا يؤكد لك سبحانه أن رحمته في يدك أنت وقد أعطاها لك ، وعندما تسلسلها تجدها تفضلاً من الله ، ولكن في يدك أنت . { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } . ونعلم أن فيه صفات لله وفيه ذات ، فالذات الله وهو واهب الوجود ، وله كل صفات الكمال وكل صفة لها متعلق الرحمة لها متعلق والبعث له متعلق فمن أسمائه سبحانه " الباعث " وإياك أن تغيب عن الذات ، اجعل نفسك مسبحاً لذاته العلية دائماً . وقد تقول : يا رب أريد أن ترحمني في كذا ، وقد لا ينفذ لك ما طلبت ، لكن ذلك لا يجعلك تبتعد عن التسبيح للذات ، لأن عدم تحقيق ما طلبت هو في مصلحتك وخير لك . وقد وقف العلماء عند كلمة " قريب " هذه ، وتساءل بعضهم عن سرّ عدم مجيء تاء التأنيث بعد لفظ الجلالة ؟ ونعلم أن القرآن قد نزل بلغة العرب ، وعند العرب ألفاظ يستوي فيها التذكير والتأنيث ، وما يقال للمذكر مثلما يقال للمؤنث ، فنقول : " رجل صبور " ، و " امرأة صبور " ، ولا نقول : صبورة ونقول : " رجل معطار " أي يكثر استخدام العطر ، و " امرأة معطار " أي تكثر استخدام العطر . ونقول : قريب مثلما نقول : قتيل بمعنى مقتول . فيقال : " رجل قتيل " و " امرأة قتيل " ، ولا يقال : " قتيلة " إلا إذا لم يذكر معها كلمة امرأة أو ما يدل على التأنيث ، لأن القتيل للذكر وللأنثى . هذه هي ألفاظ صحيح اللغة . وقد صنعت اللغة ذلك بأسانيد ، فأنت حين تقول : " رجل صبور " أو " امرأة صبور " فالصبر يقتضي الجلد والعزم والشدة لذلك لا نقول : " امرأة صبور " بل نأتي بالوصف المناسب للجَلَد والشدة . وإياك أن تضعفها بحكاية التأنيث ، وكذلك " رجل معطار " و " امرأة معطار " ، والرجل المعطار هو من تعرفه الناس من نفاذ رائحة عطره ، والمرأة مبنية على الستر . فإن تعطرت فهي قد تشبهت بالرجل ويقال لها : " امرأة معطار " ، وحين ننظر إلى كلمة " قريب " فهي من صيغة " فعيل " التي يستوي فيها المذكر والمؤنث بدليل أن الله قال : { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [ التحريم : 4 ] . والملائكة لفظها لفظ مؤنث ، ولم يقل الحق " ظهيرة " ، لأن " ظهير " يعني مُعين ، والمعونة تتطلب القوة والعزم والمدد لذلك جاء لها باللفظ المناسب الذي يدل على القوة وهو " ظهير " . وكذلك قوله الحق : { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 56 ] . و " قريب " بوزن " فعيل " بمعنى مفعول ، ولعل بعض الناس يفهم أن " قريب " بمعنى فاعل أي قارب . مثل رحيم وراحم . أي أن رحمة الله هي التي تقرُب من المحسنين ، والأمر ليس كذلك ، فإن الرحمة هي المقروبة ، والإحسان هو الذي يُقَرِّبُ إليها فيكون فعيل هنا بمعنى مفعول الذي يستوي فيه المذكر والمؤنث ، أو يكون جاءت كذلك على تأويل الرحمة بالرحم أو الترحم ، أو لأنه صفة لموصوف محذوف أي شيء قريب ، أو لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي ، أو أن الرحمة مصدر ، وحق المصدر التذكير . ويقول الحق بعد ذلك : { وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ … } .