Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 73-73)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لقد قال سيدنا صالح لثمود مثلما قال سيدنا هود لعاد ، وحمل لهم الإِنذار ليتقوا فيرحموا ، قال سيدنا صالح : { يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } . إذن فالإِنذار للتقوى وللوصول إلى الرحمة والفلاح ، ولذلك أقول دائماً : إن القرآن حينما يتعرض لأمر قد لا يأتي به مفصلاً ولكن سياقه يوحي بالمراد منه ، ولا يكرر وذلك ليربي فينا ملكة الاستيقاظ إلى استقبال المعاني . والمثال على ذلك في قصة الهدهد مع سيدنا سليمان ، يقول القرآن على لسان سيدنا سليمان : { وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } [ النمل : 20 ] . ويهدد سيدنا سليمان الهدهد قائلاً : { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ } [ النمل : 21 ] . ثم جاء الهدهد ليقول : { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } [ النمل : 22 ] . ثم أرسل سيدنا سليمان الهدهد إلى قوم سبأ قائلاً : { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } [ النمل : 28 ] . وبعد هذه الآية مباشرة قال القرآن : { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } [ النمل : 29 ] . وكأن الهدهد قد ذهب بالكتاب ، ورماه إلى ملكة سبأ ، وقالت هي الرد مباشرة . إذن لم يكرر القرآن ما حدث ، بل جعل بعضاً من الأحداث متروكاً للفهم من السياق . وكذلك هنا في قوله الحق : { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } [ الأعراف : 73 ] . وكلمة " أخاهم " هنا تؤكد أن سيدنا صالحاً كان مأنوساً به عند ثمود ، ومعروف التاريخ لديهم ، وسوابقه في القيم والأخلاق معروفة لهم تماماً وأضيفت ثمود له لأنه أخوهم . وقد جاءت دعوته مطابقة لدعوة نوح وهود . { قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الأعراف : 73 ] . والبنية هي الدليل على الصدق في البلاغ عن الله ، وهي الناقة . فما قصة الناقة ؟ هل خرج لهم بناقة ونسب ملكيتها لله ؟ بطبيعة الحال ، لا ، بل لا بد أن تكون لها قصة بحيث يعلمون أن هذه الناقة ليست لأحد من البشر . وحين قام سيدنا صالح بدعوته ، تحداه السادة من قومه ، وقالوا : نقف نحن وأنت ، نستنجد نحن بآلهتنا ، وأنت تستنجد بإلهك ، وإن غلبت آلهتنا تتبعنا ، وإن غلب إلهك نتبعك ، وجلسوا يدعون آلهتهم ، فلم يحدث شيء من تلك الآلهة ، وهنا قالوا لسيدنا صالح : إن كنت صادقاً في دعوتك ، هذه الصخرة منفردة أمامك في الجبل اسمها " الكاثبة " فليخرج ربك لنا من هذه الصخرة ناقة هي عشراء كالبخت - أحسن أنواع الإِبل - فدعا الله سبحانه وتعالى ، وانشقت الصخرة عن الناقة ، وخروج الناقة من الصخرة لا يدع مجالاً للشك في أنها آية من الله ظهرت أمامهم . إنها البينة الواضحة . لقد انشقت الصخرة عن الناقة ووجدوها ناقة عشراء ، وَبْرَاء - أي كثيرة الوَبَر - يتحرك جنينها بين جنبيها ثم أخذها المخاض فولدت فصيلاً ، وهكذا تتأكد الإِلهية دون أن يجرؤ أحد على التشكيك فيها ، وهي ناقة من الله وهو القائل : { نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا } [ الشمس : 13 ] . وأوضح لهم سيدنا صالح أنها ناقة الله ، وترونها رؤية مشهدية وهذه الناقة لها يوم في الماء لتشرب منه ، ويوم تشربون أنتم فيه . وكان الماء قليلاً عندهم في الآبار . { لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [ الشعراء : 155 ] . أي لا بد من تخصيص يوم لتشرب فيه هذه الناقة ، ولكم أنتم وإبلكم وحيواناتكم يوم آخر ، وكان من عجائب هذه الناقة أن تقف على العين وتشرب فلا تدع فيها ماءً ، وهي كمية من المياه كانت تكفي كل الإِبل . وبعد ذلك تتحول كل المياه التي شربتها في ضرعها لبناً ، فيأخذون هذا اللبن . صحيح أن الناقة منعتهم المياه لكنهم أخذوا منها اللبن الذي يطعمونه ، ولأنها ناقة الله كان لا بد أن تأخذ هيكلاً وحجماً يناسبها وكمية من الطعام والشراب مناسبة لتقيم بها حياتها ، وكمية إدرار اللبن مناسبة لشربها وطعامها وحجمها ، فما دامت منسوبة لله فلا بد أن فيها مواصفات إعجازية ، وكان الفصيل الذي ولدته معها ، وكان إذا ما جاء الحر في الصيف تسكن الناقة في المشارف العالية ، وبقية النوق تنزل في الأرض الوطيئة ، وحين يأتي الشتاء تنزل إلى المناطق المنخفضة . والمعروف أن مدائن صالح كانت منطقة شديدة الحرارة ، ويمكن لمن يزور المدينة أو " تبوك " أن يمر عليها . كانت الناقة حرة في اختيار المكان الذي تعيش فيه صيفاً أو شتاءً فلا أحد بقادر أن يمسها بسوء . وكانت هناك امرأتان لهما نياق . وناقة الله تغلب نياق المرأتين في المراعي والماء . فأحضرت المرأتان رجلاً يطلق عليه : " أُحَيْمر ثمود " واسمه " قُدار بن سالف " ليقتلها ، فقتل الناقة ، فلما قتلت الناقة ، طلع ابنها الفصيل على جبل يسمى " قارة " وخار ثلاثة أصوات ، فنادى سيدنا صالح : يا قوم أدركوا هذا الفصيل ، لعل الله بسبب إدراككم له يرفع عنكم العذاب ، فراحوا يتلمسونه فلم يجدوه وأعلم الله صالحاً النبي أن العذاب قادم ، ففي اليوم الأول تكون وجوههم مصفرة ، وفي اليوم الثاني تكون محمرة ، وفي اليوم الثالث تكون مسودّة ، فقد كانت الناقة هي ناقة الله المنسوبة له سبحانه ، وقد تأكدوا بالأمر المشهدي من ذلك ، وكان من الواجب عليهم ساعة أن وجدوا الآية الكونية المشهودة أن يأخذوا منها العبرة ، وأنها مقدمة للشيء الموعود به . لكنَّ الغباء أنساهم أنها ناقة الله . { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الأعراف : 73 ] . وبالفعل حدث العذاب بعد أن قتل أحمير ثمود الناقة . ويقول الحق بعد ذلك : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ … } .