Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 83-83)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهم حين أرادوا طرد لوط وأهله ، إنما كانوا يجازفون . إنهم بذلك قد تعجلوا العقاب ، وجاءهم العقاب وأنجى الحق سبحانه لوطاً وأهله بتدبير حكيم لا يحتاج فيه سبحانه إلى أحد ، وإذا تساءل أحد : ومن هم أهل لوط الذين أنجاهم الله معه ؟ أهم أهل النسب أم أهل التدين والتبعية ؟ . إن كان أهله بالنسب فالحق يستثني منهم " امرأته " ، وهذا دليل على أن أهل البيت آمنوا بما قاله لوط وكذلك الأتباع أيضاً : { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } . إذن كان مع لوط أيضاً بعض من أهله وبعض من الأتباع ، وكانوا من المتطهرين ، والتطهر هو أن يترفع الإنسان عن الرجس والسوء . ولذلك نجد سيدنا شعيباً حين ينصح قومه : { فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } [ الأعراف : 85 ] . ويتعجب القوم سائلين شعيباً : { أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ } [ هود : 87 ] . إنهم يتعجبون من أن الصلاة تنهى عن ذلك ، لقد أعمى ضلالهم بصيرتهم ، فلم يعرفوا أن الصلاة تنهى عن كل سوء . وكذلك فعل بعض من الكافرين حين اتهموا سيدنا رسول الله بأنه مجنون : { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [ الحجر : 6 ] . ومن قولهم يتأكد غباء تفكيرهم ، فما داموا قد قالوا : { نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } فمن الذي نزل هذا الذكر ؟ ، والذكر هو القرآن ، والذي نزله هو الله - سبحانه وتعالى - فكيف يعترفون بالقرآن كذكر ، ثم يتهمون الرسول بأنه " مجنون " ؟ لأنهم ما داموا قد قالوا عن القرآن إنه ذكر ، وإنه قد نزل عليه ، ولم يأت به من عنده ، فكيف يكون مجنوناً ؟ إنهم هم الكاذبون ، وقولهم يؤكد أن فكرهم نازل هابط . وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نجد الحق يقول سبحانه : { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } [ الأعراف : 83 ] . إن إمرأة سيدنا لوط لم تدخل في الإنجاء لأنها من الغابرين ، و " غبر " تأتي لمعان متعددة ، فهي تعني إقامة ومكثاً بالمكان ، أو تعني أي شيء مضى ، كما يقال : هذا الشيء غبرت أيامه أي مضت أيامه ، ولسائل أن يقول : كيف تأتي الكلمة الواحدة للمعنى ونقيضه ؟ فغبر تعني بقي ، وغبر أيضاً تعني مضى وانتهى . نقول : إن المعنى ملتقٍ هنا في هذه الآية ، فما دام الحق ينجيه من العذاب الذي نزل على قوم لوط في القرية فنجد زوجته لم تخرج معه ، بل بقيت في المكان الذي نزل فيه العذاب ، وبقيت في الماضي ، وهكذا يكون المعنى ملتقياً . فإن قلت مع الباقين الذين آتاهم العذاب فهذا صحيح . وإن قلت إنها صارت تاريخاً مضى فهذا صحيح أيضاً : { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } . ونحن لا ندخل في تفاصيل لماذا كانت امراته من الغابرين لأن البعض تكلم في حقها بما لا يقال ، وكأن الله يدلس على نبي من أنبيائه ، لا ، نحن لا نأخذ إلا ما قاله الحق بأنها كانت مخالفة لمنهجه وغير مؤمنة به . ونلحظ أيضاً أن الحق تحدث عن امرأة نوح وامرأة لوط في مسألة الكفر فقال : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا … } [ التحريم : 10 ] . ودقق النظر في كلمة { تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا } وتساءل البعض عن معنى الخيانة وهل المقصود بها الزنا ؟ . ونقول : ربنا لا يدلس على نبي له ، لكن أن تؤمن الزوجة أو تكفر ، فهذه مسألة اختيارية . وكأن الله سبحانه يوضح لنا أن الرسول مع أنه رسول من الله إلا أنه لا يستطيع أن يفرض إيماناً على امرأته فالمسألة هي حرية الاعتقاد . وانظر إلى التعبير القرآني : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ } . إياك أن تظن أن أيّاً منهما متكبرة على زوجها لأن الحق يقول : { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا } أي أن إمرة وقوامة الرجل مؤكدة عليها ، يشير إلى ذلك قوله : { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ } لكن الإِيمان هو مسألة اختيار ، وهذا الاختيار متروك لكل إنسان ، وأكد الحق ذلك في مسألة ابن سيدنا نوح : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } [ هود : 46 ] . وحاول البعض أن يلصق تهمة الزنا بامرأة نوح وامرأة لوط ، وهم في ذلك يجانبون الصدق ، إنه محض افتراء ، وقد نبهنا الحق إلى ذلك فقال عن امرأة نوح وامرأة لوط : { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا } [ التحريم : 10 ] . ولنفهم أن الاختيار في العقيدة هو الذي جعلهما من الكافرين ، وأن الرسولين نوحاً ولوطاً لم يستطيعا إدخال الإيمان في قلبي الزوجتين حتى يتأكد لدينا أن العقيدة لا يقدر عليها إلا الإِنسان نفسه ، ولذلك ضرب سبحانه لنا مثلاً آخر : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ التحريم : 11 ] . فهذه زوجة فرعون المتجبر الذي " ادّعى الألوهية " ، لكنه لا يقدر أن يمنع امرأته من أن تؤمن بالله ، وهكذا نجد نبيّاً لا يقدر أن يقنع امرأته بالإِيمان ، ونجد مدّعي الألوهية عاجزاً عن أن يجعل امرأته كافرة مثله ، وهذا يدل على أن العقيدة أمر اختياري محمي بكل أنواع الحماية حتى لا يختار الإِنسان دينه إلا على أساس من اقتناعه لا على أساس قهره . وضرب الله مثلاً آخر : { وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ } [ التحريم : 12 ] . ونلاحظ أن الحق لم يأت بأسماء زوجتي نوح ولوط ، وكذلك لم يأت باسم امرأة فرعون ، لكنه أورد لنا اسم مريم واسم والدها . فلماذا كان الإِبهام أولاً ؟ لنعلم أنه من الجائز جدًّا أن يحصل مثل هذا الأمر لأي امرأة ، فقد تكون تحت جبار وكافر ، وتكون هي مؤمنة ، وقد تكون تحت عبد مؤمن ولا يلمس الإِيمان قلبها . { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } [ الأعراف : 83 ] . فكلمة " أنجيناه " تشير إلى أن عذاباً سيقع في المكان الذي فيه قوم لوط ، ولأنه سبحانه شاء أن يعذب جماعة ولا يعذب جماعة أخرى ، فلابد أن يدفع الجماعة التي كتب لها النجاة إلى الخروج . وهذا الخروج أراده لهم من يكرهونهم ، فقد قالوا : { أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } [ الأعراف : 82 ] . لكن ربنا هو الذي أخرجهم ، والإِخراج كان من العذاب الذي نزل بهؤلاء المجرمين إنه كان لإِنجاء لوط وأهله مما نزل بهؤلاء الفجرة . ويأتي العذاب من الحق : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ … } .