Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 20-20)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا نداء واضح من الله عز وجل للمؤمنين ، وأمر محدد منه بطاعة الله والرسول لأن الإيمان هو الاعتقاد الجازم القلبي بالله وبملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وباليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، وعلى المؤمنين أن يؤدوا مطلوب الإيمان . ومطلوب الإيمان - أيها المؤمنون - أن تنفذوا التكاليف التي يأتي بها المنهج من الله عز وجل ، ومن المبلغ عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في الأوامر وفي النواهي . وقد فصلنا من قبل مسألة الطاعة ، الطاعة لله تكون في الأمر الإجمالي ، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون في اتباع الحكم التفصيلي التطبيقي الذي يأتي به رسول الله للأمر الإجمالي . وكذلك تكون طاعة الرسول واجبة في أي أمر أو حكم لأن الله قد فوض رسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ … } [ النساء : 80 ] . ويتمثل التفويض من الحق سبحانه وتعالى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في قول الحق تبارك وتعالى : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ … } [ الحشر : 7 ] . وهنا في الآية الكريمة التي نحن بصدد خواطرنا عنها نجد الملحظ الجميل في الأداء القرآني : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } [ الأنفال : 20 ] . والتولي - كما نعلم - هو الإعراض ، والأمر هنا بعدم الإعراض ، وما دمتم قد آمنتم فلا إعراض عما تؤمنون به . والملحظ الجميل أنه سبحانه لم يقل : ولا تولوا عنهما . قياساً بالأسلوب البشري . لكنه قال : { وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ } أي أنه سبحانه وتعالى قد وحد الكلام في أمرين اثنين طاعة الله وطاعة الرسول ، ولأن الرسول مُبَلِّغٌ عن الله فلا تقسيم بين الطاعتين لأن طاعة الرسول هي طاعة لله تعالى . أو نقول : إن التولي لا يكون أبداً بالنسبة إلى الله ، فلا أحد بقادر على أن يتولى عن الله لأن الله لاحقه ومدركه في أي وقت . لذلك نجد الحق تبارك وتعالى يقول في آية ثانية : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 62 ] . وهو سبحانه وتعالى في هذا القول يوحد بين رضاء الله والرسول فيجعله رضاءً واحداً ، فالواحد من هؤلاء يقسم أنه لم يفعل الفعل المخالف للإيمان إرضاءً للمؤمنين ، وليبرىء نفسه عند البشر ، لكن هناك رضاء أعلى هو رضاء مراعاة تطبيق المنهج الذي أنزله الله عز وجل وجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهناك قيوم أعلى يرقب كل سلوك ، ويعلم ما ظهر وما بطن . فلو كنا متروكين لبعضنا البعض لكان لأي إنسان أن يواجه الآخر ، كل بقوته ، لكن نحن في الإيمان نعلم أننا تحت رقابة المقتدر القيوم ، فمن ظلم أخاه وغفر المظلوم لظالمه ، فالله سبحانه وتعالى رب الظالم ورب المظلوم - لا يغفر للظالم بل يؤاخذه . وسبحانه وَحَّدَ أيضاً في هذه الآية بين رضاء الله ورضاء الرسول ولم يقل : والله ورسوله أحق أن يرضوهما بظاهر الأسلوب في لغة البشر ، لكنه شاء أن يوحد الرضاء لأنه يدور حول أمر واحد بطاعة واحدة ، وحول نهي واحد بانتهاء واحد . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } [ الأنفال : 20 ] . وهذا الأمر بطاعة الله تعالى والرسول بلاغ من الله ، والبلاغ أول وسيلة له الأُذن ، لأن الأُذن أول وسيلة للإدراكات ، ولذلك فإنَّ الرسول يُبَلِّغُ الأوامر بالقول للناس ، ولم يبلغهم بالكتابة لأن كل الناس لا تقرأ ، فأبلغ صلى الله عليه وسلم الناس قولاً كما أمر أن يكتب القرآن ليظل محفوظاً . ونعلم أن السماع هو الأصل في القراءة . وأنت لا تقرأ مكتوباً ، ولا تكتب مسموعاً إلا إذا عرفت القواعد ، وعرفت كيفية نطق الحروف . والمعلم يعلم طالب المعرفة القراءة والكتابة عن طريق السماع أولاً ، إذن فالسماع مقدم في كل شيء ، ولن يستطيع واحد أن يقول في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم تبلغني الدعوة لأن الدعوة أبلغت للناس بالسماع ، وقوله : { وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } تعطينا أن الإنسان إن لم تبلغه الدعوة ، فليس مناطاً للتكليف ، لأن ربنا سبحانه وتعالى هو القائل : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] . والمجتمعات التي تعيش في غفلة وليس عندهم رسول ولم يبلغهم المنهج ، لن يعذبهم الله ، وهذا أمر وارد الآن في البلاد النائية البعيدة عن الالتقاء بالإسلام وبمنهج الإسلام ، وبالسماع عن الإسلام لأنهم ما سمعوا شيئاً عن الدين ولم يعرفوا منهجه . وهؤلاء ناجون من العذاب طبقاً لقول الله تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] . فثمرة بعث الرسول أن يبلغ الناس ، ولذلك أخذنا حكما هاماً من الأحكام من قوله الحق تبارك وتعالى : { وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } [ الأنفال : 20 ] . أخذنا من هذا القول أن من لم يبلغهم المنهج لا يحاسبون . ولكن أيكفي السماع في أن نعلم المنهج . لا ، لا يكفي في السماع أن نعلم أن هناك رسولاً جاء ليعقب على رسول سبق ، ولكن عليك أن تبحث أنت . فإن كان في الأرض من لم يبلغه هذا فهو ناجٍ ، وإن كان قد بلغه خبر رسول ولم يبلغه المنهج الكامل فعليه أن يبحث بنفسه ، بدليل أن الإنسان يبحث عن أهون الأشياء بمجرد أن يسمع عنها ، ويشغل نفسه بالبحث . ولنفرض أن إنساناً قال في قرية : إن الدولة ستغير بطاقة التموين ، ألا يتجه كل فرد في القرية ليسأل عن هذا الأمر ويهتم به كل الاهتمام ؟ . إذن كان يكفي في وصول البلاغ أن يسمع الإنسان رسولاً في العرب قد جاء للناس كافة برسالة عامة ، وأن هذه الرسالة تعقب الرسالات السابقة ، ومن سمع هذا السماع كان عليه أن يعامل هذا الخبر معاملة المصالح الدنيوية الأساسية لأنه إذا كان أمر الدنيا هاماً فما بالنا بأمر صلاح الدنيا والآخرة ؟ . وجزء من التبعة في ذلك يقع على المسلمين الذين لم يَجدُّوا ويبلغوا منهج الله ودين الله إلى غيرهم . ويقول الحق تبارك وتعالى بعد ذلك : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا … } .