Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 34-34)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهنا نتساءل : أي شيء يمنعهم من أن يعذبهم الله ؟ . إن تعذيبهم هو عدالة لأنهم فعلوا ما يستحقون عليه التعذيب . لقد صدوا الرسول والمسلمين عن زيارة المسجد الحرام لأنهم ظنوا أن لهم الولاية عليه ، رغم أن منهم من سمع خبر أبرهة الأشرم حين جاء بالأفيال ليهدم الكعبة . واستولى أبرهة الأشرم على مائة من الإبل كانت لسيد قريش عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهب إليه عبد المطلب وقال له : إنك قد أصبت لي مائة بعير فأرجو أن تردها إليّ . فقال أبرهة الأشرم : جئت لأهدم بيتكم ، وبيت آبائكم ، ثم لا تكلمني فيه وتكلمني في مائة من الإبل أصبتها منك ؟ فقال عبد المطلب : أنا رب هذه الإبل ، أما البيت فله رب يحميه . وهذه كلمة لا يقولها إلا واثق من أن للبيت الحرام ربّاً يحميه . وجاءت طير أبابيل ترمي بحجارة من جهنم فجعلته هو وجيشه كعصف مأكول . إذن فكيف تصد قريش محمداً والمؤمنين معه عن البيت الحرام ، وهم بإقرار سيدهم قديماً يعلمون أنَّ للبيت ربّاً يحميه ، فكيف تكون لكم على البيت ولاية ؟ وكان عليهم أن يعلموا أن ولاية أمر بيت الله باختيار الله ولا تكون إلاَّ للمتقين ، ولم تكن قريش من المتقين . وحيثيَّات التعذيب إذن هي صدهم عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه . لماذا ؟ { إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأنفال : 34 ] . وإذا كان أكثرهم لا يعلم ، فأقلهم يعلم علم اليقين حقيقة البيت الحرام ، فقداسة هذا البيت التي تعلمها الأقلية ونسيتها الأكثرية من كفار قريش هو قول الحق تبارك وتعالى على لسان سيدنا إبراهيم : { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِيۤ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ … } [ إبراهيم : 37 ] . لقد جعلهم الله عز وجل في هذا المكان ليقيموا الصلاة لأنه سبحانه وتعالى يحب أن يعبد في الأرض ولو بواحد في هذا المكان ، ولتظل عبادته دائمة . ومهما علت فئة من البشر مثل قريش فهي بصدها عن البيت الحرام قد اتبعت أهواءها ، وسبحانه يحقق ما يريد ، فهزم قريشاً ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعادت للكعبة حرمتها وصارت مكاناً للعبادة لله بصفة مستمرة . وإننا نجد تشريعات الحق سبحانه في أوقات الصلاة ، فالصبح عند قوم هو ظهر عند قوم آخرين ، والظهر عند قوم هو صبح عند قوم آخرين ، والعصر عند قوم هو صبح أو ظهر أو مغرب أو عشاء عند أقوام آخرين ، وهكذا نجد كل أجزاء النهار مشغولة بأوقات الاتجاه إلى الله ، وهناك في كل لحظة من يتجه إلى بيت الله الحرام بصلاة ما في ميقاتها ، ولا تخلو بقعة في الأرض من قول : " الله أكبر " ، وقد تم بناء البيت الحرام من أجل هذه الصلاة . لكن قريشاً حولت الصلاة من خضوع وخشوع وعبادة لله تعالى واستحضار لعظمته وجلاله إلى ما يقول عنه الحق سبحانه وتعالى : { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً … } .