Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 42-42)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ساعة تسمع " إذ " تعرف أنها ظرفٌ ، ومعناها : اذكر هذا الوقت ، اذكر إذ أنتم بالعدوة الدنيا ، والعدوة شاطيء الوادي وجانبه . وهي جبل مرتفع لأن الجبال إن كان بينها فضاء نسمي هذا الفضاء وادياً ، فيكون الوادي هو الفضاء بين جبلين ، ويكون المكان العالي الذي على يمين الوادي وعلى شماله عدوة . وقوله تعالى : { بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ … } [ الأنفال : 42 ] . توضيح وبيان لجغرافية المعركة ، وأهل الإسلام كانوا من ناحية المدينة ، وقوله تعالى : " دنيا " تأنيث الأدنى أي الأقرب ، فالمسلمون كانوا قريبين من المدينة . وكان الكفار قادمين من مكة ، ونزلوا في المكان الأبعد . فقوله تعالى : { أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا … } [ الأنفال : 42 ] . أي في مكان قريب ، وموقع غزوة بدر - كما نعلم - قريب من المدينة ، أما كفار قريش فقد جاءوا من مكة . وبذلك جاءوا من مكان بعيد عن المدينة لذلك سماه الحق تبارك وتعالى هنا : { بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ } أي في المكان البعيد عن مكة ، ويتابع المولى سبحانه وتعالى قوله : { وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ } والركب هو العير أي الجمال التي تحمل التجارة ، وكان المسلمون قد خرجوا ليأخذوها . ولما عرف أبو سفيان بذلك غيّر سير القافلة واتجه إلى ساحل البحر ، ويتكلم الحق سبحانه وتعالى عن سلوك أبي سفيان حينما أمر أن تسير القوافل بجانب ساحل البحر . وساحل البحر - كما هو معلوم - يكون دائماً أسفل من أي أرض يابسة . ويُتخذ سطح البحر إلى الآن مقياساً للارتفاعات والانخفاضات بالنسبة للمقاييس البشرية ، فيقال : هذا ارتفاعه مائة متر أو مائتا متر أو أكثر أو أقل بالنسبة لمستوى سطح البحر . وساحل البحر بالنسبة لسطح البحر متساو ، أما الأرض والجبال والوديان فهي تختلف في العلو والانخفاض فلا تصلح مقياساً للارتفاعات والانخفاضات ، بينما سطح البحر مستطرق استطراقاً سليماً ، بحيث لا توجد في سطح الماء بقعة عالية وأخرى منخفضة . وهكذا يلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلى أن أسفل ما في الأرض هو ساحل البحر وقد اتخذ الناس سطح البحر مقياساً للارتفاعات . ويقول الحق سبحانه وتعالى : { وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً … } [ الأنفال : 42 ] . أي لو أن المؤمنين اتفقوا مع الكفار على موعد ومكان ، لجاء بعضهم متأخراً عن الموعد أو منحرفاً عن المكان ، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي حدد موعد المعركة ومكانها بدقة تامة فتم اللقاء في الموعد والمكان المحددين ليتم الأمر كما قدره الله سبحانه وتعالى ، والأمر هو معركة بدر ، وليلقى المؤمنون الكافرين ، لينتصروا عليهم . { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ … } [ الأنفال : 42 ] . وهل يعني قول الحق { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ } أن الهلاك هنا هو الموت ؟ لقد مات أيضاً بعض المؤمنين واستشهدوا . وقول الحق : { وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ } وهل الحياة هنا تعني مجرد البقاء على قيد الدنيا ؟ . لقد عاش أيضاً من الكفار كثير رغم أنهم خاضوا معركة بدر . إذن فليس معنى الهلاك هنا الموت ، وليس معنى الحياة النجاة ، ولكن قول الحق : { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ } تنطبق على الكفار سواء الذين ماتوا أو الذين نجوا لأن الهلاك هنا هلاك معنوي ، فمن قتل من الكفارهلك . ومن نجا هلك أيضاً لأنه بقتاله المؤمنين قد أورد نفسه مورد التهلكة بالعذاب الذي ينتظره في الآخرة ، إلا إذا أدركته رحمة الله وآمن قبل أن يأتي أجله . والذين حيوا هم المؤمنون ، والمراد - إذن - ليكفر من كفر ، ويؤمن من آمن عن يقين . ولقد قلنا من قبل : إنَّ الحق سبحانه وتعالى أطلق الحياة على معان متعددة ، فهناك الحياة التي فيها الحركة والحس ، وهذه تتحقق ساعة أن تدخل الروح الجسد ليكون للإنسان حياة . وهذه الحياة هي للمؤمن والكافر . ولكن الحياة بهذا الشكل حياة منتهية إلى موت غير موقوت ننتظره في أي لحظة . ولكن الحياة المطلوبة لله هي الحياة التي لا يأتي فيه موت . ولا يكون فيها تعب وشقاء ، تلك هي الحياة الآخرة ، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى : { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 64 ] . أي أنها الحياة الحقيقية . إذن فالذي يؤمن إيماناً حقيقياً يعطيه الله تعالى حياة الخلود في الجنة . ولذلك نستمع جميعاً إلى قول الحق تبارك وتعالى : { ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ … } [ الأنفال : 42 ] . ومنا من يتساءل : كيف يخاطب الله الناس وهم أحياء ويقول لهم : إذا دعاكم لما يحييكم ؟ ونقول : إن الحق سبحانه وتعالى يريد لنا بالإيمان حياة خالدة في الجنة . ثم يختم الحق سبحانه وتعالى الآية الكريمة بقوله : { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } . ومعنى سميع وعليم أنه سبحانه وتعالى مدرك لكل الأشياء والخواطر ، فما بالسمع يسمعه ، وما بالعين يراه ، وما في الصدر يعلمه ، وما هو في أي حس من أحاسيس الإنسان هو عليم به لأنه أحاط بكل شيء علما . ووسائل الإدراك العلمي في الإنسان هي السمع والبصر والذوق واللمس والشم ، هذه هي الحواس الخمس التي تعطي العلم للإنسان الذي لم يكن يعلم شيئاً . وهو سبحانه وتعالى القائل : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ النحل : 78 ] . أي أن هذه الحواس هي التي تعطي الإنسان ما لم يكن قد علمه ، وكلما علم شيئاً ، فليقل : الحمد لله . ويعلمنا الله سبحانه وتعالى كيف يتم قدره فيقول : { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ … } .