Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 67-67)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

و " أسرى " جمع كلمة " أسير " ، وتعريف الأسير أنه مشدود عليه الوثاق ممن أخذه بحيث يكون في قبضة يده ، والأسير في الإسلام هو نبع العبودية والرق لأن الأسير يقع في قبضة عدوه الأقوى منه ويمكنه أن يقتله أو يأخذه عبداً . إذن ففي هذه الحالة لا نقارن بين أسير أصبح عبداً وبين حر ، وإنما نقارن بين قتل الأسير وإبقائه على قيد الحياة . وأيهما أنفع للأسير أن يبقى على قيد الحياة ويصبح أسيراً أم يقتل ؟ . إن بقاءه على قيد الحياة أمر مطلوب منه ومرغوب فيه . وبذلك يكون تشريع الله سبحانه وتعالى في تملك الأسرى إنما أراد الله به أن يحقن دماءهم ويبقي حياتهم لأن الأسير مقدور عليه بالقتل ، وكان من الممكن أن يترك الأسرى ليقتلوا وتنتهي المشكلة . ولكن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يحفظ حتى دم الكافر لأن الله هو الذي استدعاه إلى هذه الحياة وجعله خليفة ، ولذلك يحفظه . ولعله من بعد ذلك أن يهتدي ويؤمن . ونعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لعن من يهدم بنيان الله إلا بحقه . على أن الإسلام قد اتهم زوراً بأنه هو الذي شرع الرق ، ولكن الحقيقة أنه لم يبتدع أو ينشىء الأسر والرق ، ولكنه كان نظاماً موجوداً بالفعل وقت ظهور الإسلام ، وكانت منابع الرق متعددة بحق أو بباطل ، بحرب أو بغير حرب ، فقد يرتكب أحد جناية في حق الآخر ولا يقدر أن يعوضه فيقول : " خذني عبداً لك " ، أو " خذ ابنتي جارية " ، وآخر قد يكون مَديناً فيقول : " خذ ابني عبداً لك أو ابنتي جارية لك " . وكانت مصادر الرق - إذن - متعددة ، ولم يكن للعتق إلا مصرف واحد . وهو إرادة السيد أن يعتق عبده أو يحرره . ومعنى ذلك أن عدد الرقيق والعبيد كان يتزايد ولا ينقص لأن مصادره متعددة وليس هناك إلا باب واحد للخروج منه ، وعندما جاء الإسلام ووجد الحال هكذا أراد أن يعالج مشكلة الرق ويعمل على تصفيته . ومن سمات الإسلام أنه يعالج مثل هذه الأمور بالتدريج وليس بالطفرة فألغي الإسلام كل مصادر الرق إلا مصدراً واحداً وهو الحرب المشروعة التي يعلنها الإمام أو الحاكم . وكل رق من غير الحرب المشروعة حرام ولا يجوز الاسترقاق من غير طريقها ، وفي ذات الوقت ، عدد الإسلام أبواب عتق العبيد ، وجعله كفارة لذنوب كثيرة لا يكفر عنها ولا يغفرها سبحانه وتعالى إلا بعتق رقبة ، بل إنه زاد على ذلك في الثواب الكبير الذي يناله من يعتق رقبة حباً في الله وإيماناً به فقال سبحانه وتعالى : { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ } [ البلد : 11 - 13 ] . فإذا لم يرتكب الإنسان ذنباً يوجب عتق رقبة ولا أعتق رقبة بأريحية إيمانية ، فإنه في هذه الحالة عليه أن يعامل الأسير معاملة الأخ له في الإسلام . فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه سيدنا أبو ذَر رَضي الله عنه : " إخوانكم خولكم جعلهم الله فتنة تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه ، ولا يكلفه ما يغلبه ، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه " . إذن فقد ساوى هذا الحديث الشريف بين العبد والسيد ، وألغي التمييز بينهما فجعل العبد يلبس مما يلبس سيده ويأكل مما يأكل أو يأكل معه وفي العمل يعينه ويجعل يده بيده ، ولا يناديه إلا بـ " يا فتاي " أو " يا فتاتي " . إذن فالإسلام قد جاء والرق موجود وأبوابه كثيرة متعددة ومصرفه واحد فأقفل الأبواب كلها إلا باباً واحداً ، وفتح مصارف الرق حتى تتم تصفيته تماماً بالتدريج . وبالنسبة للنساء جاء التشريع السماوي في قول الله تعالى : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ النساء : 3 ] . وكان ذلك باباً جديداً من أبواب تصفية الرق لأن الأمة إن تزوجت عبداً مثلها تظل على عبوديتها وأولادها عبيد ، فإن أخذها الرجل إلى متاعه وأصبحت أم ولده يكون أولادها أحراراً ، وبذلك واصل الإسلام تصفية الرق ، وفي ذات الوقت أزاح عن الأنثى الكبت الجنسي الذي يمكن أن يجعلها تنحرف وهي بعيدة عن أهلها مقطوعة عن بيئتها ، وترى حولها زوجات يتمتعن برعاية وحنان ومحبة الأزواج وهذه مسألة تحرك فيها العواطف ، فأباح للرجل إن راقت عواطفهما لبعضهما أن يعاشرها كامرأته الحرة وأن ينجب منها وهي أمَة ، وفي ذلك رفع لشأنها لأنها بالإنجاب تصبح زوجة ، وفي ذات الوقت تصفية للرق . إن هذه المسألة أثارت جدلاً كثيراً حول الإسلام ، وقيل فيها كلام كله كذب وافتراء . والآن بعد أن ألغي الرق سياسياً بمعاهدات دولية انتهت إلى ذات المبادئ التي جاء بها الإسلام وهي تبادل الأسرى والمعاملة بالمثل . وهو مبدأ أول ما جاء ، إنما جاء به الإسلام ، فليس من المعقول أن يأخذ عدو لي أولادي يسخرهم عنده لما يريد ، وأنا أطلق أولاده الأسرى عندي ، ولكن المعاملة بالمثل فإن منّوا نُمنّ ، وإن فدوا نفد . ويشاء الحق سبحانه وتعالى أن يجعل الرق الناشىء عن الأسر مقيداً في قَوله تعالى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأنفال : 67 ] . ونقول : إن هناك فرقاً بين حكم يسبق الحدث فلا يخالفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحكم يجيء مع الحدث ، ولا بد أن نفرق بين الحكمين حكم يسبق الحدث إن خولف تكون هناك مخالفة ولكنَّ حكماً يأتي مع الحدث ، فهذا أمر مختلف ، لنفرض أنك جالس وجاء لك مَنْ يقول إن قريبك فلان ذهب إلى المكان الفلاني ، وأنه ينفق على كذا ، وأعطي كمبيالة على نفسه بمبلغ كذا . اذهب إليه لتمنعه ، فتذهب إليه وتمنعه ، هنا جاء الحكم مع الحدث ، فلا تكون هناك مخالفة . وقول الحق سبحانه وتعالى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأنفال : 67 ] . قد جاء هذا الحكم بعد أن تم أسر كفار قريش وأخذوا إلى المدينة ، وتشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة بشأنهم ووصلوا إلى رأي . إذن فالحكم جاء بعد أن انتهت العملية ، والدليل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى لم يغير الحكم ، فظل الأسر والفداء . إذن : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } [ الأنفال : 67 ] أي ما ينبغي لنبي أن يكون له أسرى حتى يقسو على الكفار في القتال . ويريد الحق سبحانه وتعالى هنا أن ينبه المؤمنين إلى أنهم لو كانوا يريدون الأسرى لعرض الدنيا ، كأن يطمع أي واحد في من يخدمه ، أو يطمع في امرأة يقضي حاجته منها ، أو في مال يبغي به رغد العيش ، كل ذلك مرفوض لأنه سبحانه وتعالى لا يريد من المؤمن أن يجعل الدنيا أكبر همه ، بل يريد الحق من المؤمنين أن يعملوا ويحسنوا الاستخلاف في الأرض ليقيموا العدل على قدر الاستطاعة وليجزيهم الله من بعد ذلك بالحياة الدائمة المنعمة في الجنة . ولذلك قال الحق تبارك وتعالى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ الأنفال : 67 ] . وسبحانه العزيز الذي لا يُغْلَبُ ، والحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه . ويجيء من بعد ذلك قوله سبحانه وتعالى : { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ … } .