Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 59-59)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كيف يقول الحق سبحانه وتعالى : { مَآ آتَاهُمُ } مع أنهم لم يأخذوا شيئاً ، بل إنهم قد سخطوا لأنهم لم يأخذوا شيئاً . نقول : إن الله يريد أن يلفتهم إلى أن له عطاء في المنح وعطاء في المنع . فعطاء الحق سبحانه لمن أخذ ، وحرمان الحق سبحانه للبعض ، كل ذلك فيه عطاء من الحق جل وعلا ، ولكن الناس لا يلتفتون إلى ذلك . ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين منع الغنائم عن الأنصار في حنين أخذوا المعية مع رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ، وهذا أكبر وأسْمَى من الغنائم ، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المحيا محياكم ، والممات مماتكم . لو سلك الناس شِعْباً وسلك الأنصار شِعْباً لَسلكْتُ شِعْب الأنصار " . وبذلك أخذوا ما هو أكبر وأهم وأعظم من الغنائم . إذن فقد يكون في المنع إيتاء . الحق سبحانه وتعالى يقول : { مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } وهو عز وجل المشرِّع ، والرسول عليه الصلاة والسلام هو المبلِّغ والمنفِّذ ، فإذا ما رَضُوا بقسمة الله ، فالرِّضاء عمل قلبي كان عليهم أن يترجموه بكلام نزوعي هو : { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ } فكأن الرضا عمل القلب ، والتعبير عن الرضا عمل اللسان ، وما داموا قد احتسبوا الأمر عند الله ، فالله هو الذي يرعى ، وفي عطائه خير وفي منعه خير . ولذلك نجد الطيبين من الناس إن غُلِبُوا على أمرهم يقولون : إن لنا رباً ، أي : إياك أن تفهم أنك حينَ منعتني أو أخذت حقي بأن اعتديت عليّ ستمضي بهذا الفعل دون عقاب لأن لي رباً يغار عليّ ، وسبحانه سيعوِّضني أكثر مما أخذت ، ويجعل ما أخذته مني قَسْراً نقمة عليك . ولذلك فأهم ما يجب أن يحرص عليه المؤمن ليس هو الصلة بالنعمة ولكن الصلة بالمنعم . وفي أن الله هو القادر على أن يعوِّض أي شيء يفوت . ويوضح لنا سبحانه الصورة أكثر فيقول : { سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي سيعوضنا عنها بخير منها . وعطاء الله دائماً فضل لأنه يعطي الإنسان قبل أن يكون قادراً على عبادته ، حتى وهو في بطن أمه لا يقدر على شيء ، فإذا كنت في الدنيا قد فكرت بالعقل الذي خلقه لك الله ، وعملت بالطاقة التي خلقها لك الله ، وفي الأرض التي خلقها الله ، فإنك في بطن أمك لم تكن قادراً على أي شيء . وحين تخرج وتنمو وتكبر فأنت تحيا في كون مليء بنعم الله ، لم تخلق فيه شيئاً ، ولم تُوجد فيه خيراً . وإنما جئت إلى الكون وهو كامل النعم ، فلا أنت أوجدت الأرض ولا صنعتَ الشمس ، بل إن نعمة واحدة من نعم الله ، وهي المطر إن توقفت هلك كل من في الأرض . ونلمس أثر ذلك حين تأتي مواسم الجفاف في أي منطقة من العالم ، ونرى كيف يهلك كل شيء الزرع والإنسان والحيوان . والحق سبحانه وتعالى قد خلقنا في عالم أغيار ، فالقادر اليوم قد يصبح غير قادر غداً ، والصحيح اليوم قد يصبح مريضاً معلولاً غداً ، والقوي يضعف ، حتى نعرف أن ما نملكه من قدرة وقوة ليست أموراً ذاتية فينا ، ولكنها منحة من الله يأخذها وقتما يشاء ، ونرى القوى الذي كان يفتك بيده ويؤذي بها غيره ويُذِلُّ الناس بها . نراه وقد أصيبت يده ، فلا تصل إليها الأوامر من المخ فتُشَل . إذن : فقدرة أي إنسان ليست ذاتية فيه ، بل هي من فضل الله سبحانه وتعالى ، وكل شيء في الكون هو من فضل الله . والحق سبحانه وتعالى يقول : { سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } ويقال : رغب في كذا أي أراده ، ويقال : رغب عن كذا ، أي ترك هذا الأمر . ويقال : رغب إلى كذا أي سار في الطريق نحوه . وهنا قال الحق : { إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } وما دُمْنا إلى الله راغبين ، كان يجب ألا نعزل عطاء الدنيا عن عطاء الآخرة ، فالدنيا ليست كل شيء عندك ما دُمْت راغباً إلى الله الذي سيعطيك نعيماً لا حدود له في الآخرة . ولذلك فرغبتنا في الله كان يجب ألا تجعلنا نسخط على نعيم فاتنا في الدنيا لأن هناك نعيماً بلا حدود ينتظرنا في الآخرة . وأراد الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك أن يبين مصارف الصدقة حتى يعرف هؤلاء الراغبون في متاع الدنيا هذه المصارف ويتعرفوا إلى حقيقة الأمر ، وليتبينوا هل هم يستحقون الصدقة أم لا ، فقال جل جلاله : { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلْفُقَرَآءِ … } .