Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 2-2)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ } : الهمزة للإِنكار و " أن أوحينا " اسمُها . و " عجباً " خبرها . و " للناس " متعلق بمحذوف على أنه حالٌ مِنْ " عَجَباً " لأنه في الأصل صفة له ، أو متعلِّقٌ بـ " عَجَباً " ، ولا يَضُرُّ كونُه مصدراً لأنه يُتَّسع في الظرف وعديلهِ ما لا يُتَّسع في غيرهما . وقيل : لأن " عجباً " مصدرٌ واقعٌ موقعَ اسمِ الفاعل أو اسم المفعول ، ومتى كان كذلك جاز تقديمُ معمولِه . وقيل : هو متعلق بـ " كان " الناقصة ، وهذا على رأيِ مَن يُجيز فيها ذلك . وهذا مرتَّبٌ على الخلاف في دلالة " كان " الناقصة على الحدث ، فإن قلنا : إنها تدلُّ على ذلك فيجوز وإلا فلا وقيل : هو متعلقٌ بمحذوفٍ على التبين ، والتقدير في الآية : أكان إيحاؤنا إلى رجلٍ منهم عجباً لهم . و " منهم " صفة لـ " رجل " . وقرأ رؤبة " رَجْل " بسكون الجيم ، وهي لغة تميم ، يُسَكِّنون فَعُلاً نحو : سَبُع وعَضُد . وقرأ عبد الله بن مسعود " عَجَبٌ " . وفيها تخريجان ، أظهرهما : أنها التامة ، أي : أَحَدَثَ للناس عجب ، و " أنْ أَوْحَيْنا " متعلق بـ " عَجَب " على حَذْف لامِ العلة ، أي : عَجَبٌ لأَِنْ أوحينا ، أو يكون على حَذْف " مِنْ " ، أي : مِنْ أَنْ أوحينا . والثاني : أن تكون الناقصة ، ويكون قد جعل اسمَها النكرةَ وخبرَها المعرفةَ ، على حَدِّ قوله : @ 2559 ـ … يكونُ مزاجَها عَسَلٌ وماءُ @@ وقال الزمخشري : " والأجودُ أن تكونَ التامةَ ، و " أنْ أَوْحَيْنا " بدلٌ من " عجب " . يعني به بدلَ اشتمال أو كل من كل ؛ لأنه جُعِل هذا نفسَ العَجَب مبالغةً . والتخريج الثاني لابن عطية . قوله : { أَنْ أَنذِرِ } يجوز أن تكونَ المصدرية ، وأن تكونَ التفسيريةَ . ثم لك في المصدرية اعتباران ، أحدهما : أن تجعلَها المخففةَ مِن الثقيلة ، واسمها ضمير الأمر والشأن محذوف . كذا قال الشيخ ، وفيه نظر من حيث إن أخبارَ هذه الأحرف لا تكون جملةً طلبية ، حتى لو ورد ما يُوهم ذلك يُؤوَّل على إضمار القول كقوله : @ 2560 ولو أصابَتْ لقالَتْ وَهْي صادقةٌ إنَّ الرياضةَ لا تُنْصِبْكَ للشِّيبِ @@ وقول الآخر : @ 2561 إنَّ الذين قتلتُمْ أمسِ سَيِّدَهُمْ لا تحسَبوا ليلَهم عن ليلِكم ناما @@ وأيضاً فإن الخبرَ في هذا البابِ إذا وقع جملةً فعلية فلا بد من الفصلِ بأشياءَ ذكرتُها في المائدة ، ولكن ذلك الفاصلَ هنا متعذَّرٌ . والثاني : أنها التي بصدد أن / تنصِبَ الفعلَ المضارعَ ، وهي تُوصل بالفعل المتصرِّف مطلقاً نحو : " كتبت إليه بأَنْ قم " . وقد تقدَّم لنا في ذلك بحث أيضاً ولم يُذْكر المُنْذَرُ به ، وقد ذكر المُبَشَّرَ به كما سيأتي لأنَّ المقامَ يقتضي ذلك . قوله : { أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ } " أنَّ " وما في حَيِّزها هي المبشَّرُ بها ، أي : بَشِّرهم باستقرارِ قَدَمِ صِدْق ، فَحُذفت الباء ، فَجَرىٰ في محلِّها المذهبان . والمرادُ بقدَمِ صِدْقٍ السابقةُ والفضلُ والمنزلةُ الرفيعة . وإليه ذهب الزجاج والزمخشري ومنه قولُ ذي الرمة : @ 2562 لهمْ قَدَمٌ لا يُنْكِرُ الناسُ أنها مع الحَسَبِ العاديِّ طَمَّتْ على البحر @@ لمَّا كان السعي والسَّبْقُ بالقدم سُمِّي السَّعْيُ المحمود قَدَماً ، كما سُمِّيت اليدُ نِعْمة لمَّا كانت صادرةً عنها ، وأُضيف إلى الصدق دلالةً على فضلِه ، وهو من باب رجلُ صدقٍ ورجلُ سوءٍ . وقيل : هو سابقةُ الخير التي قَدَّموها ، ومنه قول وضَّاح اليمني : @ 2563 مالك وضَّاحُ دائمَ الغَزَلِ أَلَسْتَ تخشى تقارُبَ الأَجَلِ صَلِّ لذي العرشِ واتَّخِذْ قَدَماً تُنْجيك يوم العِثارِ والزَّلَلِ @@ وقيل : هو التقدُّمُ في الشرف ، ومنه قول العجاج : @ 2564 ذَلَّ بنو العَوَّامِ مِنْ آل الحَكَمْ وتركوا المُلْكَ لمَلْكٍ ذي قَدَمْ @@ أي : ذي تقدُّمٍ وشرفٍ . و " لهم " خبر مقدم ، و " قَدَمَ " اسمُها ، و " عند ربهم " صفةٌ لـ " قَدَم " . ومن جَوَّز أن يتقدَّمَ معمولُ خبرِ " أنَّ " على اسمها إذا كان حرف جر كقوله : @ 2565 فلا تَلْحَني فيها فإنَّ بحبِّها أخاك مصابُ القلب جَمٌّ بَلابلُهْ @@ قال : فـ " بحبها " متعلقٌ بـ " مُصاب " ، وقد تقدَّم على الاسم فكذلك " لهم " يجوز أن يكونَ متعلقاً بـ " عند ربهم " لِما تَضَمَّنَ من الاستقرار ، ويكونُ " عند ربهم " هو الخبر . وقرأ نافعٌ وأبو عمرو وابن عامر " لَسِحْرٌ " والباقون " لَساحر " ، فـ " هذا " يجوزُ أن يكونَ إشارةً للقرآن ، وأن يكونَ إشارة للرسول على القراءة الأولى ، ولكن لا بد من تأويل على قولنا : إن المشار إليه هو النبي عليه السلام ، أي : ذو سحر أو جعلوه إياه مبالغةً . وأمَّا على القراءةِ الثانيةِ فالإِشارةُ للرسولِ عليه السلام فقط .