Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 61-61)
Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ } : " ما " نافية في الموضعين ، ولذلك عَطَفَ بإعادة " لا " النافية ، وأَوْجب بـ " إلا " بعد الأفعال لكونها منفيةً . و " في شأن " خبر " تكون " والضميرُ في " منه " عائدٌ على " شأن " و " مِنْ قرآن " تفسير للضمير ، وخُصَّ من العمومِ ، لأنَّ القرآنَ هو أعظمُ شؤونه صلى الله عليه وسلم . وقيل : يعودُ على التنزيل ، وفُسِّر بالقرآن لأنَّ كلَّ جزء منه قرآن ، وإنما أَضْمَرَ قبل الذكرِ تعظيماً له . وقيل : يعود على الله ، أي : وما تتلو مِنْ عند الله من قرآنٍ . وقال أبو البقاء : " من الشأن " ، أي : مِنْ أجله ، و " من قرآن " مفعول " تتلو " و " مِنْ " زائدةٌ " . يعني أنها زِيْدت في المفعول به ، و " من " الأولى جارةٌ للمفعولِ مِنْ أجله ، تقديره : وما تتْلو من أجل الشأن قرآناً ، وزِيْدَت لأنَّ الكلامَ غيرُ موجَبٍ والمجرور نكرةٌ . وقال مكي : " منه " الهاء عند الفراء تعود على الشأن على تقديرِ حَذْفِ مضافٍِ تقديرُه : وما تتلو من أجل الشأن ، أي : يحدث لك شأنٌ فتتلو القرآنَ من أجله " . والشَّأْنُ مصدرُ شَأنَ يَشْأَنُ شَأَنَه ، أي : قَصَد يَقْصِدُ قَصْدَه ، وأصلُه الهمز ، ويجوز تخفيفه . والشأن أيضاً الأمرُ ، ويُجْمع على شُؤُون . وقوله : { إِلاَّ كُنَّا } هذه الجملةُ حاليةٌ وهو استثناء مفرغ ، وولي " إلا " هنا الفعلُ الماضي دون قد لأنه قد تقدَّمها فعلٌ وهو مُجَوِّز لذلك . وقوله : " إذ " هذا الظرفُ معمولٌ لـ " شُهودا " ولمَّا كانت الأفعالُ السابقةُ المرادُ بها الحالةُ الدائمةُ وتنسحب على الأفعالِ الماضيةِ كان الظرفُ ماضياً ، وكان المعنىٰ : وما كنت ، وما تكون ، ولا عَمِلْتم ، إلا كنا عليكم شهوداً ، إلا أفضتم فيه . و " إذ " تُخَلِّصُ المضارعَ لمعنى الماضي . قوله : { وَمَا يَعْزُبُ } قرأ الكسائي هنا وفي سبأ " يَعْزِب " بكسرِ العين ، والباقون بضمها ، وهما لغتان في مضارع عَزَبَ ، يقال : عَزَب يَعْزِب العين ، ويَعْزُب ، أي : غابَ حتى خفي ، ومنه الروضُ العازِبُ . قال أبو تمام : @ 2604 وقَلْقَلَ نَأْيٌ مِنْ خراسانَ جَأْشَها فقلتُ اطمئنِّي أَنْضَرُ الروضِ عزِبُه @@ وقيل للغائب عن أهله : عازِب ، حتى قالوا لمن لا زوجَ له : عازب . وقال الراغب : " العازِبُ : المتباعِدُ في طلب الكلأ . ويقال : رجل عَزَبٌ وامرأة عَزَبة ، وعَزَب عنه حِلْمُه ، أي : غاب ، وقوم مُعَزَّبون ، أي : عَزَبَتْ عنهم إبلُهم ، وفي الحديث : " من قرأ القرآن في أربعين يوماً فقد عَزَب " ، أي : فقد بَعُد عهدُه بالخَتْمة . وقال قريباً منه الهروي فإنه قال : / " أي : بَعُدَ عهدُه بما ابتدأ منه وأبطأ في تلاوتِه " ، وفي حديث أم مَعْبد : " والشاءُ عازِبٌ حِيال " ، قال : " والعازِب : البعيدُ الذهابِ في المَرْعَى . والحائلُ : التي ضَرَبَها الفحلُ فلم تَحْمل لجُدُوبة السَّنة . وفي الحديث أيضاً : " أصبحنا بأرضٍ عَزيبةٍ صحراءَ " ، أي : بعيدةِ المرعى . ويقال للمال الغائب : عازِب ، وللحاضرِ عاهِن . والمعنى في الآية : وما يَبْعُد أو ما يَخْفىٰ أو ما يَغيب عن ربك . و " مِنْ مِثْقال " فاعل ، و " مِنْ " مزيدةٌ فيه ، أي : ما يبعد عنه مثقالُ . والمثْقال هنا : اسمٌ لا صفةٌ ، والمعنيُّ به الوزنُ ، أي : وزن ذرة . قوله : { وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ } قرأ حمزة برفع راء " أَصْغر " و " أكبر " ، والباقون بفتحها . فأما الفتحُ ففيه وجهان ، أحدهما : وعليه أكثر المُعْربين أنه جَرٌّ ، وإنما كان بالفتحةِ لأنه لا يَنْصَرف للوزن والوصف ، والجرُّ لأجلِ عطفِه على المجرور وهو : إمَّا " مثقال " ، وإمَّا " ذرة " . وأمَّا الوجهُ الثاني فهو أنَّ " لا " نافيةٌ للجنس ، و " أصغر " و " أكبر " اسمُها ، فهما مَبْنيان على الفتح . وأمَّا الرفعُ فمن وجهين أيضاً ، أشهرهُما عند المُعْربين : العطفُ على محل " مثقال " إذ هو مرفوعٌ بالفاعلية و " مِنْ " مزيدة فيه كقولك : " ما قام مِنْ رجل ولا امرأة " بجرِّ " امرأة " ورَفِعْها . والثاني : أنه مبتدأ ، قال الزمخشري : " والوجهُ النصبُ على نفي الجنس ، والرفع على الابتداء ليكون كلاماً برأسِه ، وفي العطفِ على محل " مثقال ذرة " ، أو على لفظ " مثقال ذرة " فتحاً في موضع الجرِّ لامتناع الصرف إشكالٌ ؛ لأنَّ قولَك : " لا يَعْزُب عنه شيءٌ إلا في كتاب مشكل " انتهىٰ . وهذان الوجهان اختيار الزجاج ، وإنما كان هذا مُشْكلاً عنده لأنه يصير التقدير : إلا في كتاب مبين فيعزبُ ، وهو كلامٌ لا يصحُّ . وقد يزول هذا الإِشكالُ بما ذكره أبو البقاء : وهو أن يكون { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } استثناءٌ منقطعاً ، قال : { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } ، أي : إلا هو في كتاب ، والاستثناءُ منقطع " . وقال الإِمام فخر الدين بعد حكايته الإِشكالَ المتقدم : " أجاب بعضُ المحققين مِنْ وجهين ، أحدهما : أن الاستثناءَ منقطع ، والآخر : أن العُزوبَ عبارةٌ عن مُطْلق البعد ، والمخلوقاتِ قسمان ، قسمٌ أوجده اللهُ ابتداءً مِنْ غير واسطةٍ كالملائكة والسمواتِ والأرض ، وقسمٌ أوجده بواسطةِ القسم الأول مثلِ الحوادث الحادثة في عالم الكون والفساد ، وهذا قد يتباعدُ في سلسلةِ العِلِّيَّة والمعلولِيَّة عن مرتبة وجود واجبِ الوجود ، فالمعنىٰ : لا يَبْعد عن مرتبة وجوده مثقالُ ذرة في الأرض ولا في السماء إلا وهو في كتاب مبين ، كتبه الله وأثبت فيه صورَ تلك المعلومات " . قلت : فقد آل الأمرُ إلى أنه جَعَله استثناءً مفرغاً ، وهو حال من " أصغر " و " أكبر " ، وهو في قوة الاستثناءِ المتصل ، ولا يُقال في هذا : إنه متصل ولا منقطع ، إذ المفرَّغُ لا يُقال فيه ذلك . وقال الجرجاني : " إلا " بمعنى الواو ، أي : وهو في كتاب مبين ، والعربُ تضعُ " إلا " موضعَ واو النسق كقوله : { إِلاَّ مَن ظُلِمَ } [ النساء : 148 ] { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } [ البقرة : 150 ] . وهذا الذي قاله الجرجانيُّ ضعيفٌ جداً ، وقد تقدَّم الكلامُ في هذه المسألة في البقرة ، وأنه شيءٌ قال به الأخفش ، ولم يَثْبُت ذلك بدليل صحيح . وقال الشيخ أبو شامةَ : " ويُزيل الإِشكالَ أن تُقَدِّر قبلَ قوله : { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } " ليس شيء من ذلك إلا في كتاب " وكذا تقدِّر في آية الأنعام . ولم يُقرأ في سبأ إلا بالرفع ، وهو يُقَوِّي قولَ مَنْ يقول إنه معطوف على " مثقال " ويُبَيِّنه أن " مثقال " فيها بالرفع ، إذ ليس قبله حرفُ جر . وقد تقدَّمَ الكلامُ على نظير هذه المسألة والإِشكالُ فيها في سورة الأنعام في قوله : { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ } [ يونس : 59 ] ، إلى قوله : { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [ يونس : 59 ] ، وأنَّ صاحبَ " النظم " الجرجانيَّ هذا أحال الكلامَ فيها على الكلامِ في هذه السورة ، وأن أبا البقاء قال : " لو جَعَلْناه كذا لفَسَدَ المعنىٰ " ، وقد بيَّنْتُ تقريرَ فسادِه والجوابَ عنه في كلام طويل هناك فعليك باعتبارِه ونَقْلِ ما يمكن نَقْلُه إلى هنا .