Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 71-71)

Tafsir: ad-Durr al-maṣūn fī ʿulūm al-kitāb al-maknūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِذْ قَالَ } : يجوز أن تكونَ " إذ " معمولةً لـ " نَبأ " ، ويجوز أن تكونَ بدلاً مِنْ " نبأ " بدلَ اشتمال . وجوَّز أبو البقاء أن تكونَ حالاً من " نبأ " وليس بظاهرٍ ، ولا يجوزُ أن يكونَ منصوباً بـ " اتلُ " لفساده ، إذ " اتلُ " مستقبلٌ ، و " إذا " ماض ، و " لقومه " اللام : إمَّا للتبليغ وهو الظاهرُ ، وإمَّا للعلة وليس بظاهرٍ . وقوله : { كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي } من باب الإِسناد المجازي كقولهم : " ثَقُل عليَّ ظلُّه " . وقرأ أبو رجاء وأبو مجلز وأبو الجوزاء " مُقامي " بضم الميم ، و " المقام " بالفتح مكان القيام ، وبالضم مكان الإِقامة أو الإِقامة نفسها . وقال ابن عطية : " ولم يُقرأ هنا بضم الميم " كأنه لم يَطَّلع على قراءةِ هؤلاء الآباء . قوله : { فَعَلَى ٱللَّهِ } جواب الشرط . وقوله : { فَأَجْمِعُوۤاْ } عطف على الجواب ، ولم يذكر أبو البقاء غيرَه . واستُشْكِل عليه أنه متوكلٌ على الله دائماً كَبُر عليهم مقامُه أو لم يكبر . وقيل : جوابُ الشرط قوله " فأجمعوا " وقوله { فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ } جملةٌ اعتراضية بين الشرط وجوابه ، وهو كقول الشاعر : @ 2606 إمَّا تَرَيْني قد نَحَلْتُ ومَنْ يكنْ غَرَضاً لأطراف الأَسِنَّة يَنْحَلِ فلرُبَّ أبْلَجَ مثلِ ثِقْلِكِ بادِنٍ ضخمٍ على ظهر الجَوادِ مُهَبَّلِ @@ وقيل : الجوابُ محذوف ، أي : فافعلوا ما شئتم . وقرأ العامة : " فَأَجْمعوا " أمراً مِنْ " أَجْمع " بهمزة القطع يقال : أَجْمع في المعاني ، وجَمَع في الأعيان ، فيقال : أجمعت أمري وجمعت الجيش ، هذا هو الأكثر . قال الحارث بن حلزة : @ 2607 أَجْمَعُوا أمرهم بليلٍ فلمَّا أصبحوا أصبحت لهم ضَوْضَاءُ @@ وقال آخر : @ 2608 يا ليت شعري والمُنَى لا تَنْفَعُ هل أَغْدُوَنْ يوماً وأَمْري مُجْمَعُ @@ وهل أَجْمَعَ متعدٍّ بنفسه أو بحرف جر ثم حُذِف اتِّساعاً ؟ فقال أبو البقاء : " مِنْ قولك " أجمعتُ على الأمر : إذا عَزَمْتَ عليه ، إلا أنه حُذِفَ حرفُ الجر فوصل الفعل إليه . وقيل : هو متعدٍّ بنفسه في الأصل " وأنشد قولَ الحارث . وقال أبو فيد السدوسي : " أَجْمعت الأمر " أفصحُ مِنْ أَجْمعت عليه " وقال أبو الهثيم : " أجمعَ أمرَه جَعَله مجموعاً بعدما كان متفرقاً " قال : " وَتفْرِقَتُه أن يقولُ مرةً افعل كذا ، ومرة افعل كذا ، وإذا عَزَم على أمرٍ واحد فقد جَمَعه أي : جعله جميعاً ، فهذا هو الأصلُ في الإِجماع ، ثم صار بمعنى العَزْم حتى وصل بـ " على " فقيل : أَجْمَعْتُ على الأمر أي : عَزَمْتُ عليه ، والأصل : أجمعت الأمر . وقرأ العامَّةُ : " وشركاءَكم " نصباً وفيه أوجه ، أحدها : أنه معطوفٌ على " أَمْرَكم " بتقدير حذف مضاف ، أي : وأمر شركاءكم كقوله : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] ، ودلَّ على ذلك ما قدَّمْتُه من أن " أَجْمع " للمعاني . والثاني : أنه عطف عليه من غير تقدير حذف مضاف ، قيل : لأنه يقال أيضاً : أجمعت شركائي . الثالث : أنه منصوب بإضمار فعلٍ لائق ، أي : وأجمعوا شركاءكم بوصل الهمزة . وقيل : تقديره : وادعوا ، وكذلك هي في مصحف أُبَيّ " وادعوا " فأضمرَ فعلاً لائقاً كقوله تعالىٰ : { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ } [ الحشر : 9 ] ، أي : واعتقدوا الإِيمانَ ، ومثلُه قولُ الآخر : @ 2609 فَعَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً حتى شَتَتْ هَمَّالةً عيناها @@ وكقوله : @ 2610 يا ليت زوجَك قد غدا مُتَقَلِّداً سَيْفاً ورُمْحاً @@ / وقول الآخر : @ 2611 إذا ما الغانياتُ بَرَزْنَ يوماً وزَجَّجْنَ الحواجبَ والعيونا @@ يريد : ومُعْتَقِلاً رُمْحاً ، وكحَّلْنَ العيونا . وقد تقدم أن في هذه الأماكن غيرَ هذا التخريج . الرابع : أنه مفعولٌ معه ، أي : مع " شركائكم " قال الفارسي : " وقد يُنْصب الشركاء بواو مع ، كما قالوا : جاء البردُ والطَّيالسةَ " ، ولم يذكر الزمخشري غيرَ قولِ أبي علي . قال الشيخ : " وينبغي أَنْ يكونَ هذا التخريجُ على أنه مفعول معه من الفاعل ، وهو الضمير في " فَأَجْمعوا " لا من المفعول الذي هو " أَمْرَكُمْ " وذلك على أشهرِ الاستعمالين ، لأنه يقال : " أجمع الشركاءُ أمرَهم ، ولا يقال : " جَمَع الشركاء أمرهم " إلا قليلاً ، قلت : يعني أنه إذا جعلناه مفعولاً معه من الفاعل كان جائزاً بلا خلافٍ ، لأنَّ مِن النحويين مَنْ اشترط في صحةِ نصبِ المفعول معه أن يصلح عَطْفُه على ما قبله ، فإن لم يَصْلُحْ عطفُه لم يَصِحَّ نصبُه مفعولاً معه ، فلو جعلناه من المفعول لم يَجُزْ على المشهور ، إذ لا يَصْلُح عَطْفُه على ما قبله ، إذ لا يقال : أجمعت شركائي ، بل جَمَعْت . وقرأ الزهري والأعمش والأعرج والجحدري وأبو رجاء ويعقوب والأصمعي عن نافع " فأجْمَعُوا " بوصل الألف وفتح الميم من جَمَع يَجْمَع ، و " شركاءَكم " على هذه القراءةِ يتضح نصبه نسقاً على ما قبله ، ويجوز فيه ما تقدم في القراءة الأولى من الأوجه . قال صاحب " اللوامح " : " أَجْمَعْتُ الأمر : أي : جَعَلْتُه جميعاً ، وجَمَعْتُ الأموال جمعاً ، فكان الإِجماعُ في الأحداث والجمع في الأعيان ، وقد يُسْتعمل كلُّ واحد مكان الآخر ، وفي التنزيل : { فَجَمَعَ كَيْدَهُ } [ طه : 60 ] . قلت : وقد اختلف القراء في قوله تعالىٰ : { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } [ طه : 64 ] ، فقرأ الستة بقطع الهمزة ، جعلوه مِنْ أجمع وهو موافقٌ لِما قيل : " إنَّ " أجمع " في المعاني . وقرأ أبو عمرو وحدَه " فاجمعوا " بوصل الألفِ ، وقد اتفقوا على قولِه " فَجَمع كيدَه ثم أتىٰ " فإنه مِن الثلاثي ، مع أنه متسلِّطٌ على معنى لا عَيْنٍ . ومنهم مَنْ جَعَل للثلاثي معنىً غيرَ معنىٰ الرباعي فقال في قراءة أبي عمرو مِنْ جَمَع يَجْمع ضد فرَّق يُفَرِّق ، وجَعَلَ قراءةَ الباقين مِنْ " أجمع أمرَه " إذا أحكمه وعزم عليه ، ومنه قول الشاعر : @ 2612 يا ليت شعري والمُنىٰ لا تَنْفَعُ هل أَغْدُوَنْ يوماً وأَمْري مُجْمَعُ @@ وقيل : المعنىٰ : فاجْمَعوا على كيدكم ، فحذف حرف الجر . وقرأ الحسن والسلمي وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق وسلام ويعقوب " وشركاؤكم " رفعاً . وفيه تخريجان ، أحدهما : أنه نسقٌ على الضمير المرفوع بأَجْمِعُوا قبله ، وجاز ذلك إذ الفصلُ بالمفعولِ سَوَّغ العطف ، والثاني : أنه مبتدأ محذوف الخبر ، تقديرُه : وشركاؤكم فَلْيُجْمِعوا أمرهم . وشَذَّتْ فرقةٌ فقرأت : " وشركائكم " بالخفض ووُجِّهَتْ على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراً على حاله كقوله : @ 2613 أكلَّ امرِىءٍ تحسبين أمرَأً ونارٍ تَوَقَّدُ بالليل نارا @@ أي : وكل نار ، فتقدير الآية : وأمر شركائكم ، فحذف الأمر وأبقى ما بعدَه على حاله ، ومَنْ رأىٰ برأي الكوفيين جوَّز عطفه على الضمير في " أمركم " من غيرِ تأويل ، وقد تقدَّم ما فيه من المذاهب أعني العطفَ على الضميرِ المجرور مِنْ غير إعادة الجارِّ في سورة البقرة . قوله : { غُمَّةً } يقال : غَمٌّ وغُمَّة نحو كَرْبٌ وكُرْبَةٌ . قال أبو الهيثم : " هو مِنْ قولهم : " غَمَّ علينا الهلالُ فهو مغموم إذا التُمِس فلم يُر . قال طرفة ابن العبد . @ 2614 لعَمْرك ما أمري عليَّ بغُمَّةٍ نهاري ولا ليلي عليَّ بسَرْمَدِ @@ وقال الليث : " يُقال : هو في غُمَّة مِنْ أمره إذا لم يتبيَّنْ له . قوله : { ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ } مفعول " اقضوا " محذوف ، أي : اقضُوا إليَّ ذلك الأمر / الذي تريدون إيقاعه كقوله : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ } [ الحجر : 66 ] فعدَّاه لمفعولٍ صريح . وقرأ السَّرِيُّ " ثم أفْضُوا " بقطع الهمزة والفاء ، مِنْ أفضىٰ يُفْضي إذا انتهىٰ ، يقال : أَفْضَيْتُ إليك ، قال تعالىٰ : { وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } [ النساء : 21 ] فالمعنىٰ : ثم افضُوا إلى سِرِّكم ، أي : انتهوا به إليَّ . وقيل : معناه : أَسْرِعوا به إليَّ . وقيل : هو مِنْ أفضى ، أي : خَرَج إلى الفضاء ، أي : فأصحِروا به إليَّ ، وأَبْرِزوه لي كقوله : @ 2615 أبىٰ الضيمَ والنعمانُ يَحْرِقُ نابَه عليه فأَفْضَىٰ والسيوفُ مَعاقِلُهْ @@ ولامُ الفضاءِ واوٌ ؛ لأنه مِنْ فَضَا يَفْضُو ، أي : اتَّسَع . وقوله : " لا تُنْظِرون " ، أي : لا تُؤَخِّرون من النَّظِرة وهي التأخير .